إلى غير هذا من الأبيات المذكورة في الشرح، فهذا سماع كثير ثابت نظمًا ونثرًا، فما الذي يمنع من القياس؟
فالجواب: أن جميع ما ذكر من السماع لا يثبت به ما قال.
أما أولًا: فإن الأصل الثابت في الحروف ألا تدعى فيها الزيادة إلا إذا تيقنت، وقام الدليل عليها، وأما مع بادي الرأي فذلك غير مخلص.
وأما ثانيًا: فإن هذه المواضع المستشهد بها محتملة لما قال، ولغير ذلك.
أما الآية الأولى: فعلى حذف الموصوف حملها طائفة كأن قال: نبأ من جملة نبأ المرسلين تعبر به أو تتأسى أو نحو ذلك مما يليق، فـ (من) إذذاك للتبعيض، وعلى هذا يجري الحكم في الآية التي تليها، وفي قوله:{يغضوا من أبصارهم}، وقولهم: كان من مطر، ومن حديث. وقد تحذف العرب المفعول لمقاصد، وتجتزئ دونها لدلالة عليها، ولغير دلالة. وأما {يكفر عنكم من سيئاتكم}{يغفر لكم من ذنوبكم}. فإنه مؤول كله على تضمين الفعل معنى فعل آخر، كأنه قال: يخلصكم من ذنوبكم، فرجع إلى معنى قوله في الآيات الأخر {يغفر لكم ذنوبكم}. فـ (من) إذًا لابتداء الغاية، كقولك: خلصت منه، وخرجت منه، وكذلك هي لابتداء الغاية مع قبل وبعد ونظرائهما، فالمعنى استقر له الأمر من هذه الغاية، ومن هذه الأخرى، ولم يذكر انتهاء الغاية؛ إذ لا يلزم ذكرها، وقد يكون ترك ذلك أبلغ، أو تكون غير محتاٍج إلى ذكرها للعلم بها، أو لغير ذلك.