والفعل على ضربين، ثلاثي وغيره، ولكل واحدٍ منهما قياسٌ في بناء الصِّفة له، فأفردَ كُلاً بحكمه، وابتدأ بالثلاثي فقال:
كَفَاعِلٍ صُغِ اسْمَ فَاعِلٍ إذَا
مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ يَكُوُن كَغَذَا
هذا الكلام يَحتمل تفسيرين، أحدهما أن يريد أن صيغة اسم الفاعل من الفعل الثلاثي الحروفِ يأتي في القياس كَفَاعلٍ، أي على زنة (فَاعِلٍ) هذا البِنَاءِ، لكن بشرط أن يكون شبيهاً بـ (غَذَا) وذلك أن (غَذَا) فِعْل على (فَعَلَ) بفتح العين، فهو الوصفُ المعتَبر في التقييد بهذا المثال، لأن صيغة/ (فَاعِلٍ) قياسٌ في (فَعَلَ) المفتوحِ العين، كان صحيحاً أو معتلاً، متعدِّياً أو غيرَ ٤٨٥ متعدٍّ، فلا أَثَر لاعتلال لام (غَذَا) في التَّقْييد، بدليل أنه جعل مُقَابِلَه (فَعُلَ، وفَعِلَ) بالضم والكسر. ولو أراد قيدَ الاعتلال لأتى بعده بمقابِله الصحيح، كما فعل في المصادر.
ولا أثَر أيضاً لتَعَدٍّ أو عدمِه؛ لأن (غَذَا) يَتَعدَّى ولا يَتَعدَّى. فمثال تَعَدِّيه: غَذَا الطعامُ الصبيَّ، وغَذَوْتُه أنا باللَّبَن، وقال امرؤ القيس (١):
كَبِكْرِ مُقَانَاةِ البَياضِ بصُفْرَةٍ
غَذَاهَا نَمِيرُ الماءِ غَيْرَ المُحَلَّلِ
ومثالُ عدم تَعَدِّيه قولُهم: غَذَا الماءُ، إذا سَالَ، وغَذَا العِرْقُ، إذا سالَ
(١) من معلقته، وانظر اللسان (نمر، حلل، قنا). ويراد بالبكرْ هنا البَيْضة الأولى من بيض النعام، وخصها لأن الأولى لا يخلص بياضها خلص سائرها. أو هي الدَّرة التي لم تُثْقب. والمقاناة: المخالطة، يريد أنها بيضاء يخالط بياضها صفرة والنَّمير: الماء العذب الناجع في الري. وغير المحلل: أي لم ينزل أحد عليه فيكدر، أو لأنه ملح لا يتغذَّى به.