للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك كان يجب إذا دَخلت ((ظَنَنْتُ)) وأخواتُها هنا (١). نعم الرجلُ ظننتُه زيداً، ونعم الرجلان وُجِدا الزيَديْن، لكن العربَ إنما تقول: نعم الرجلُ ظننتُ زيداً، ونعم الرجلان وُجِدا الزيدان، قال زهير (٢):

يَمِيناً لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وَجدْتُماَ

على كُلِّ حَالٍ من سَحِيلٍ ومُبْرَمِ

فعُلم أن المخصوص لم يكن قبله ضمير فيكون هو خبَره، بل كان المخصوص مبتدأ مخبراً عنه بجملة المدح والذم.

والثاني أن الكلام عند جَعْل ((زيد)) خبراً لمحذوف جملتان، ليست إحداهما في موضع إعراب، وهو خلاف الظاهر، وادِّعاءُ خلاف الظاهر من غير حاجة إلى ذلك ممنوع، فكان تقديرُ مبتدأ غيرَ جائز، لعدم الاحتياج إلى ذلك. وذلك أن (نعم، وبئس) لا يتمُّ المعنى المقصود بهما إلا باجتماع المختص بالمدح والذم من الجنس الذي هو منه، فلا يُقَدَّر على هذا إلا مبتدأ، كما لا يقدَّر ((زيد)) في قولك: (ذهب أخوهُ زيدٌ) إلا مبتدأ.

والثالث أن المخصوص يجوز حذفه اتفاقاً إذا تقدَّم ذكره وكان معلوما، كقوله تعالى: {نِعْمَ الْعَبْدُ إنَّهُ أَوَّابٌ (٣)}. فلو كان المبتدأ لازمَ الحذف، ثم حُذف الخبر، وهو ((زيدٌ)) في المثال المتقدِّم لأَدَىَّ ذلك إلى حذف الجملة كلها، وذلك غير


(١) أي كان يجب إبراز الضمير المحذوف، فيكون كما مثل.
(٢) من معلقته، واستشهد به الرضي في شرح الكافية ٤/ ٢٤٤، والسيوطي في الهمع ٤/ ٢٤٧، وانظر: الخزانة ٩/ ٣٨٧، والدرر ٢/ ٤٧.
والسحيل: الحيط الذي لم يحكم فتله. والمبرم: الخيط الذي أحكم فتله، ويريد بهما الأمر السهل والأمر الصعب. يخاطب هرم بن سنان المري، والحارث بن عوف، ويثني عليهما بما فعلاه في الصالح بين عبس وذبيان.
(٣) سورة ص/ آية ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>