للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني أن العرب أجرت (حَبَّذَا) مجرى الأمثال التي تُحكى ولا تُغيَّر عن حالها، فلذلك لم تُدخل على المخصوص النواسخَ، ولم يَتَقدَّم على (حَبَّ) ولا على (ذا) ولم يُفصل بين شيئين من ذلك، لكنهم لم يلتزموا فيه الحكاية كل الالتزام، إلا في (حَبَّذَا) خاصة، لأنه حين احتاجوا إلى ما يُسْنَد إليه المدح أو الذم صار ماعدا (حَبَّذَا) مختلفا باختلاف الممدوح أو المذموم، فلحقه من الأحكام القياسية ما يلحق (نعم، وبئس) وغيرهما. فقد ضاهى، أي شابه، المثلَ المحكىَّ بإطلاق، فالتُزِم هنا (ذا) و (حَبَّ) ما التُزم في الأمثال من الإتيان به على حالة واحدة، فكما التزموا خطاب المؤنَّث في قولهم: ((أَطرَّي إنَّكِ ناعِلَةٌ)) (١) وقولهم: ((الصَّيْفَ ضَيحَّتِ اللَّبَنَ)) (٢) وقولهم: ((خَلا لكِ الجوُّ فَبِيضِي واصْفِري)) (٣). وخطاب الواحد المذكر في نحو قولهم: ((ويَأْتيكَ بالأخبار مَن لم تُزِّوَدِ (٤))) وقولهم: ((يدَاكَ أَوْكَتَا وفُوكَ


(١) كتاب الأمثال لأبي عبيد ١١٥. وأطرى: حذى في طرر الوادي، وهي نواحيه. وناعلة: ذات نعلين. ومعناه: اركب الأمر الشديد فإنك قادر عليه. وأصله أن رجلا كانت له راعية، وكانت ترعى في السهولة، وتترك الحزونة، فقال لها المثل.
(٢) كتاب الأمثال لأبي عبيد ٢٤٧. والرواية الأشهر ((ضَيَّعْتِ)) بالعين. والضَّيْح والضَّياح: اللبن الرقيق الكثير الماء. وضيَّح فلان اللبنَ: مزجه بالماء حتى صار ضيحا. ويضرب المثل في طلب الحاجة من غير موضعها، أو طلبها بعد فوات الفرصة السانحة. وانظر أصل المثل في الكتاب.
(٣) كتاب الأمثال لأبي عبيد ٢٥١. والمثل شطر بيت لطرفة بن العبد يخاطب به القُنبرة. ويضرب في الحاجة يقدر عليها صاحبها متمكنا، لا ينازعه فيها أحد.
(٤) كتاب الأمثال لأبي عبيد ٢٠٦. وهو عجز بيت لطرفة بن العبد، وصدره: ... =

<<  <  ج: ص:  >  >>