فلا يصح إذاً أن يخالفه في الإعراب، لتنزُّله حينئذٍ منزلَة آخر المنعوت، فكما لا يصح قطعُ المنعوت عن اقتضاء العاملِ الأولِ فيه إعراباً معيَّناً، كذلك لا يصح فيما هو كالجزء منه، وهذا واضح، فتقول: مررتُ بزيدٍ الخياطِ القرشيِّ، وائتِني برجلِ مسمٍ عربيٍّ كاتبٍ فقيهٍ حاسبٍ، وما أشبه ذلك، ولا تَقْطع.
وأما الحالُ الثانية، وهي أن يكون المنعوت غَير مفتِقر في معرفته إلى شيء من تلك النعوت- وهو معنى كونه معيَّناً بدون النعوت، أي معروفاً قبل ذكرها- فلك فيه ثلاثة أوجه، كلها جائزٌ أوجه، كلها جائزٌ داخلٌ تحت/ قوله:((واقَطْع أَوِ اتِبْع)) إلى آخره. ٦١٠
أحدها قطعُها كلِّها إلى الرفع، فتقول: مررتُ بزيدٍ الفاضلُ الصالحُ العالمُ، أو إلى النصب فتقول: مررت بزيدٍ الفاضلَ الصالحَ العالمَ، ومنه قول الخرِنْقِ، أنشده سيبويه (١):
لا يَبْعَدنُ قَوْمِي الَّذِينَ هُمُ
سَمُّ العُداةِ وآفةُ الجُزْرِ
النَّازِليَن بكُلِّ مُعْتَرَكٍ
والطَّيبَّيِن مَعَاقِدَ الأُزْرِ
(١) الكتاب ٢/ ٥٧، ٦٤، والمحتسب ٢/ ١٩٨، وأمالي ابن الشجري ١/ ٣٤٥، والإنصاف ٤٦٨، ٧٤٣، والعيني ٣/ ٦٠٢، ٤/ ٧٢ والتصريح ٢/ ١١٦، ٢٠٤، والأشموني ٣/ ٦٨، ٢١٤، والخزانة ٥/ ٤١، والهمع ٥/ ١٨٣، والدرر ٢/ ١٥٠. ولا يبعدن: لا يهلكن. وسم العداة: هم كالسم القاتل لأعدائهم، والعداة: جمع عاد، وهو العدو. والآفة: العلة والمرض. والجُزْر: جمع جزور، وهي الناقة تنحر. والمعترك: موضع ازدحام القوم في الحرب والأزُرْ: جمع إزار، وهو ما يستر النصف الأسفل من البدن. والمعاقد: جمع معقد، وهو حيث يعقد الأزار ويثنى، وطيب المعاقد كناية عن العفة، وأنها لا تحل لفاحشة. وصفتهم بالشجاعة والجودُ العفة.