فإذا قلت: لا تدن من الأسد- تسلم- صح الجزم هنا، لأنك إذا قدرته ب (إن)] قلت: إن لا تدن من الأسد تسلم، وهذا الكلام صحيح، بخلاف ما لو قلت: لا تدن من الأسد يأكلك، فها هنا لا يصح الجزم، لأنك إذا قدرته ب (إن) [قبل (لا) لم يستقم؛ إذ كنت تقول: إن لا تدن من الأسد يأكلك. وهذا محال لا يصح، ممن جهة أن عدم الدنو لا يكون سببا في الأكل، وهذا معنى التخالف الذي نبه عليه بقوله:"دون تخالف يقع".
يعني من غير أن تقع مخالفة بين التقدير بالشرط والكلام الأول، فإذا حصل التخالف لم يصح الجزم، فينتقل إلى غيره، فيلزم الرفع هنا على الاستئناف.
وهذا الحكم في الجزم مخالف لحكم النصب إذا قلت: لا تدن من الأسد فيأكلك× إذ المعنى فيه: عن تدن منه يأكلك، فلا يصح فيه الإتيان ب (لا) بعد (إن) إذ يصير المعنى: إن لا تدن منه يأكلك، وهذا محال.
وكذلك إن قلت: لا تدن من الأسد تسلم، تقديره على الجزم: إن تدن منه تسلم، وهو غير صحيح، فلا بد من الرفع.
ومن هنا قال سيبويه: وليس كل موضع تدخل فيه الفاء يحسن فيه الجزاء. ألا ترى أنك تقول: ما تأتينا فتحدثنا، والجزاء هنا محال. وذلك بعد ما قرر أن قولك: لا تدن من الأسد يأكلك- بالجزم- قبيح، يعني غير جائز، وأنك إن رفعت فالكلام حسن، وكذلك إن أدخلت الفاء فحسن.