والجواب: أن الناظم قد أتى بما يشعر بقيد الظرفية، وذلك أن لفظ الزمان والمكان إذا أطلق في عرف النحويين يراد به المكان من حيث هو ظرف لفعل والزمان كذلك، إما على حذف المضاف كان الأصل ظرف المكان وظرف الزمان، وأما لأنه صار اسما له عرفا وقد يستعمل ذلك الناظم، ألا ترى إلى قوله:(وقد ينوب عن مكان مصدر) وأراد عن ظرف المكان، فهو إنما أراد هنا بالمكان ظرف المكان، وقد عرف أن أداة الإشارة بحسب المشار إليه فإن كان مفعولا فهو مفعول أو فاعلا فهو كذلك، أو ظرفا فهو على حسبه إذ هو قائم في الكلام مقامه، فإذا أشير إلى الظرف من حيث هو ظرف، فاسم إشارته ظرف مثله.
فقول:(وبهنا أو هاهنا أشر إلى داني المكان) معناه أشر إلى ما وقع من الأمكنة المحسوسة منصوبا على الظرفية أو في حكم المنصوب على ذلك، ويلزم أن يكون اسم الإشارة كذلك ظرفا، وإذا كان هذا مقصوده كان قد أتى بالقيد الصحيح للإشارة بهذه الأدوات، وعند ذلك يكون التنبيه على اختصاص هنا وأخوته بالمكان وإخراج ذي وذا وما ذكر معهما عن ذلك صحيحا إذ قد يشار بها إلى الأمكنة من حيث هي أمكنة ومن حيث تشخصها وإجراؤها مجرى الأناسي كزيد وعمرو/، فالأمر فيها أوسع، فقد وضح أن الناظم لم يغفل ما توهم المعترض إغفاله والله أعلم، ولنرجع إلى تفسير كلامه. فقوله:(وبهنا أو هاهنا أشر إلى داني المكان) الداني هو القريب، يعني أن هنا مجردا عن التنبيه، وهاهنا لاحقا له التنبيه أداتان من أدوات الإشارة إلى المكان القريب فتقول: جلست هنا وأكلت هاهنا، أي: في هذا المكان القريب وتقييده بالداني يدل على أن هاهنا تقسيما بحسب