عندها، فكيف فاته أن بداية الشطر التالي "الرفيق البعيد" كانت حرفًا ساكنًا هو همزة الوصل؟ ومتى كان البيت العربي يبدأ بساكن؟
ثانيًا- يمتنع التدوير في الشعر الحر لأنه شعر حر، أعني أن الشاعر فيه قادر على أن ينطلق من القيود، ومن ثم فإن ذلك يجعله في غير حاجة إلى التدوير. وما التدوير، لو تأملنا، إلا لون من الحرية يلتمسه الشاعر الذي كان مقيدًا بأسلوب الشطرين حيث الشطر الأول ذو طول معين لا ينبغي أن يزيد، فكان الشاعر يطيله بالتدوير ليملك بعض الحرية. ومن ثم فلماذا يريد الشاعر تدوير أشطره في القصيدة الحرة؟
الحقيقة أنه ليس من سبب يبرر ذلك على الإطلاق. فالشعر الحر يبيح للشاعر أن يطيل الشطر وفق حاجته، وبذلك يتخطى الشطر القديم الذي كان يقيد الشاعر. وإذا كان الشاعر قبل يستعمل تدويرًا يطيل به الشطر الأول فإن الشاعر الحر يستطيع أن يطيل شطره دون تدوير، وذلك بأن يرص الشطرين المدور أولهما معًا في شطر واحد؛ لأن ذلك مباح في الشعر الحر، وهو في الواقع مزيته. وفي هذه الحالة يصبح التدوير بلا معنى على الإطلاق. وقد كانت أشطر جورج غانم تشير إلى هذا بوضوح، فقد قال في شطرين:
ترى يا صغار الرعاة يعود الر
فيق البعيد
وهذا شيء لا ضرورة له، ففي وسعه أن يقول في شطر واحد متناسق:
ترى يا صغير الرعاة ... يعود الرفيق البعيد.
وقد رأينا مما سبق أن القافية "يعود" في الشطر الواحد ليست أقل ضياعًا منها في شطرين، وذلك لأن التقسيم القسري لشطر واحد إلى شطرين لا ينقذ هذين الشطرين من أن يبقيا شطرًا واحدًا في الواقع.
وبعد، فإن كون الشعر الحر يمنح الشاعر حرية إطالة أشطره