وتقصيرها والوقوف حيث يشاء بحسب مقتضى المعنى، ينفي الحاجة إلى التدوير أصلًا. فإذا احتاج الشاعر إلى شطر طويل فإن في وسعه أن يكتبه بلا تدوير. بدلًا من أن يكتب شطرًا ذا ثلاث تفعيلات مدورًا بحيث يفضي إلى شطر آخر ذي ثلاث تفعيلات، فإن في إمكانه أن يجمع الشطرين في شطر واحد ذي ست تفعيلات. أو لم نبح له ذلك في الشعر الحر؟
فما الداعي إلى التدور إذن؟
وقد يعترض علينا شاعر بأن يقول "إني إنما أجعل الأبيات مدورة في أشطر متتالية كثيرة لأن العبارة التي أكتبها تستغرق أشطرًا كثيرة. أو لم تبيحوا لي أن أطيل العبارة التي أكتبها تستغرق أشطرًا كثيرة. أو لم تبيحوا لي أن أطيل العبارة كما أشاء؟ " والواقع أن في هذا السؤال وهمًا واضحًا. ذلك أن التدوير ليس ملازمًا للعبارة الطويلة، فقد تكون العبارة قصيرة ويدوِّر الشاعر البيت مع ذلك، وقد تكون طويلة دون أن يحتاج إلى تدوير البيت. ولماذا تستغرق أية عبارة طويلة عشرة أشطر مدورة؟ لماذا لا تستغرق عشرة أشطر غير مدورة؟ إن التدوير، لو تأملنا، لا يتصل بطول العبارة، وإنما هو محض انشطار الكلمة إلى شطرين كل منهما ينتمي إلى تفعيلة. ومن ثم فإنه قد يقع في كل شطر من قصيدة عبارتها قصيرة، فتبدأ العبارة في منتصف الشطر المدور وتنتهي في النصف الثاني، ثم تبدأ عبارة جديدة في منتصف شطر مدور ثان وتنتهي في الشطر التالي. وكذلك فلا صلة للتدوير بطول العبارة.
ثم إن هناك سؤالًا شديد الأهمية ينبغي للشاعر أن يلقيه على نفسه، السؤال حول الطول الممكن للعبارة في أية قصيدة ذات إيقاع وموسيقى. فلنفرض أننا أبحنا للشاعر أن يطيل شطره "ذا التفعيلة المكررة" إلى ما شاء الله. فهل يستسيغ سمعه أن يورد أكثر من ست تفعيلات أو ثمان في الشطر الواحد؟ الجواب على هذا قد ثبت لي بالتجربة الطويلة وقراءة مئات من قصائد الشعراء. أن ذلك غير سائغ ولا مقبول لأن الغنائية في تفعيلات العشر تفقد حدتها وتأثيرها حين تتراكم تفعيلات متواصلة لا وقفة