للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عروضية بينها، ذلك فضلًا عن أن تواتر التفعيلات الكثيرة مستحيل لأنه يتعارض مع التنفس عند الإلقاء. لا بل إنه يتعب حتى من يقرؤه قراءة صامتة بما يحدث من رتابة. وسرعان ما نمجه ونرفض أن نقرأه. ولننظم مثالًا من البحر الكامل تتوافر فيه "متفاعلن" بلا وقفة مع غلبة التدوير:

طلعت نجوم الليل تفرش ظلمة الأحراش

أحلامًا طريات ورش العطر خد الليل والدنيا

تلفع كل ما فيها بأستار الظلام المدلهم البارد

لقبري وانتاب المدى خوف من المجهول، يا

قلبي تيقظ واترك الأوهام تجني كل

اقات الأماني. أمسك الجذلان بالأفراح

والرغبات قد نفض النعاس وعاد يملأ مشرق

الدنيا ضياء وابتسامات فدع فتن الصباح

المشرق المسحور ينفذ لا تكن حيران مقطوع

الرؤى ...

أليس هذا نظما سمجًا، ميتًا، لا يحتمل؟ إن قراءته غير ممكنة، وهو لترادفه السريع ممل رتيب يتعب السمع ويضايق الحس الجمالي لدى القارئ. وأبرز ما ينقصه هو الوقفات. ذلك أن السكتة في آخر الشطر والبيت كانت وما زالت عنصرًا "مهمًّا" في القصيدة. إن للسكوت وقعًا شعريًّا يعادل وقع الأشطر نفسها. ومن دون هذا السكوت يموت الشعر كما رأينا.

والظاهر أن كثيرًا من الذين ينظمون الشعر الحر ينسون هذه الحقيقة، ولذلك نراهم يرصون لنا أشطرًا كثيرة مدورة هي في الحقيقة كلها شطر واحد.

وما أحراهم بأن ينتبهوا.

<<  <   >  >>