وسرعان ما احتج علي الدكتور جميل الملائكة١ منبهًا إلى خروجي عن تفعيلة الخبب. وقد أدركت فورًا أنه على حق وأن تفعيلتي دخيلة. وجلست أفكر، مندهشة، في سبب هذا الذي وقع لي. فكيف ولماذا جاز أن تقبل أذني الممرنة خروجًا على الوزن مثل هذا؟
وجاء الجواب بعد قليل من التأمل، وكان جوابًا بسيطًا واضحًا: أن أذني، على ما مر بها من تمرين تقبل هذا الخروج ولا ترى فيه شذوذًا، فليس هو خطأ وقعت فيه، وإنما هو تطوير سرت إليه وأنا غافلة. ومعنى ذلك أن "فاعل" لا تمتنع في بحر الخبب، لأن الأذن العربية تقبلها فيه. وإذن فلماذا لم يقرها العروضيون؟ وهل من حقي أنا أن أثبت تفعيلة جديدة في بحر عربي ضبط منذ عصور طويلة؟
الواقع أنه ليس من حقي، كما أنه ليس من حق أي شاعر أن يفعل ذلك. إنما يقرر القواعد القبول العام. نعم، لقد قرر الخليل قواعد جديدة، غير أن تقريره ذلك لم يكن هو الذي ثبتها، وإنما ثبتت حين قبلها الشعراء المتمكنون والعارفون في عصره. وكذلك لن تثبت تفعيلتي الجديدة إلا إذا لقيت موافقة العروضيين.
والحق أن قليلًا من التأمل في التفعيلتين "فَعِلن" و"فاعلُ" لا بد أن يقودنا إلى أنهما متساويتان من ناحية الزمن تساويًا تامًّا لأن طولهما واحد. وفي وسعنا التأكد من ذلك بأسلوب العروضيين.
ف ع ل ن – ف اع ل
- - - ٥ - ٥ - -
١ جميل الملائكة، خالي. وقد كان منذ الطفولة صديقي الحميم، فتحنا أعيننا على الشعر وأنغامه وقرأنا العروض معًا، وعشنا صبانا نتبادل قصائد الدعابة وننظم الأهاجي الفكاهية والألغاز والتاريخ والتشطير والتخميس والموشح والدوبيت. وما زلنا حتى الآن نجتمع لنظم القصائد المشتركة بيت منه وبيت مني، وأحيانًا نتبادل رسائل منظومة من أولها إلى آخرها. ولجميل في الشعر ذوق مرهف. وقد نشرت له، منذ سنوات، ترجمة شعرية لطيفة لرباعيات الخيام.