للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجاء الشاعر الحديث فرأى الرابطة بين وافي البحر ومجزوئه ومشطوره قائمة واضحة لأن هذه الأوزان كلها ذات تفعيلة واحدة هي متفاعلن، وهي كلها تنتمي إلى البحر الكامل، وإنما الفرق بينها في عدد "متفاعلن" وحسب، فهي تتكرر في الوافي ست مرات وفي المجزوء أربعًا وفي المشطور ثلاثًا. وقد لاحظ الشاعر أنه إذا وحد الضرب، استطاع أن يجمع مجزوء البحر ومشطوره وأجزاءهما في القصيدة الواحدة لأن عدد مرات التكرار لا يؤثر في الموسيقى شيئًا ما دامت التفعيلة واحدة والضرب واحدًا، ولذلك رأى أن يمزج بين الأطوال كلها في قصيدة واحدة. وكان ذلك طبيعيًّا وموسيقيًّا على أجمل ما يمكن.

والواقع أن الشعر الحر جارٍ على قواعد العروض العربي، ملتزم لها كل الالتزام، وكل ما فيه من غرابة أنه يجمع الوافي والمجزوء والمشطور والمنهوك جميعًا. ومصداق ما نقول أن نتناول أية قصيدة جيدة من الشعر الحر ونعزل ما فيها من مجزوء ومشطور ومنهوك، فلسوف ننتهي إلى أن نحصل على ثلاث قصائد جارية على الأسلوب العربي دون أية غرابة فيها.

ولنأت بمثال لما نقول. من قصيدة "إلى العام الجديد" من البحر "الكامل":

يا عام لا تقرب مساكننا فنحن هنا طيوف

من عالم الأشباح ينكرنا البشر

ويفر منا الليل والماضي ويجهلنا القدر

ونعيش أشباحًا تطوف

نحن اللذين نسير لا ذكرى لنا

لا حُلْمَ، لا أشواق تشرق، لا مُنى

آفاق أعيننا رماد

تلك البحيرات الرواكد في الوجوه الصامته

ولنا الجباه الساكته

<<  <   >  >>