للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهاربون من الزمان إلى العدم

نحن الذين نعيش في ترف القصور

نحيا ولا نشكو ونجهل ما البكاء

ما الموت ما الميلاد ما معنى السماء

متفاعلن متفاعلن متفاعلن

وهناك قصيدة ثالثة نستطيع استخلاصها ذات وزن أقصر هو المنهوك.

ونعيش أشباحًا تطوف

آفاق أعيننا رماد

ولنا الجباه الساكته

لا نبض فيها لا اتقاد

ونظل ينقصنا الشعور

نحيا ولا تدري الحياة

إن هذه القصائد كلها من البحر الكامل وتفعيلتها جميعًا واحدة هي "متفاعلن" وهي إنما تجتمع في الشعر الحر لأن ذلك لا يخرج على النغم الذي تقبله الأذن العربية، وكل ما هنالك أنه أسلوب يتيح للشاعر تعبيرية أعلى يمنحه الفرصة لإطالة العبارة وتقصيرها بحسب مقتضيات المعنى. وليس يمكن أن يرفض الاعتراف بوزن ذلك شاعر ذو سمع مرهف. وإنما جاءت الضجة من القراء كما أسلفنا، وقد حسب بعضهم أن الشعر الحر نثر اعتيادي لا وزن له إطلاقًا. وليس أفظع غلطًا من هذا الحكم، كما رأى القارئ مما سبق. وإنني لأخجل حين أرى أحيانًا شعراء معروفين من الجيل السابق يصرحون في الصحف بأن الشعر الحر نثر. إن مثل هذه التصريحات الواقعة مؤلمة، ليس لأنها تؤثر في مستقبل الشعر الحر -ذلك لأنها لا تؤثر فيه- وإنما لأنها تشير إلى الارتجالية التي يكتب بها أدباؤنا، وإلى قلة تشخيصهم لمسئوليتهم في توجيه جمهور يتطلع إليهم

<<  <   >  >>