للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشعرك قاصف كالريح المصفحة التي

أمطرت على أوروبا١

وأحسب أن هذا الأسلوب في كتابة الترجمة منقول في الأصل عن اللغات الأوروبية. فقد ألفنا أن نرى أدباء أوروبا الذين ينقلون قصيدة من الألمانية إلى الإنكليزية مثلًا -أو بالعكس أو غيره- يلجئون إلى كتابة النص الإنكليزي بحيث يقابل كل شطر ترجمته الحرفية. وبذلك يسهل على القارئ مقارنة الترجمة بالأصل. وأغلب ما يفعل هذا، المترجمون الدقيقون الذين يريدون لترجماتهم أن تستعمل في التدريس بالجامعات حيث تتطلب الروح العلمية ترجمات محققة دقيقة الضبط يستطيع الطلبة والباحثون أن ينتفعوا بها، وذلك هو وحده الذي يبيح للمترجم أن يضع النثر مقابل الشعر، مكتوبًا على مثل ما يكتب الشعر عليه. ولقد ساعد على ذلك أن الصيغ والتعبيرات في اللغات الأوروبية متقابلة متشابهة إلى درجة ملحوظة، خاصة بين اللغات التي تنتمي إلى أصل واحد مثل الإنكليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية والإسبانية، فهي كلها تنحدر من أصل لاتيني يجمع بينها ويجعل كثيرًا من قواعدها متقاربة. فكان من السائغ في هذه اللغات أن يوضع الشطر الموزون مقابل سطر من النثر يحتوي على معناه، دون أن يجد المترجم صعوبة في توزيع الألفاظ والأشطر في حدود اللغة التي يكتب بها ترجمته.

هذا في لغات أوروبا. وأما في العربية فإن الأمر أشد تعقيدًا. ذلك أن لغتنا تختلف اختلافًا كبيرًا عن اللغات اللاتينية سواء أفي صيغتها وتعابيرها أم في اشتقاقاتها ونحوها وإعرابها، وذلك بحيث إذا أراد المترجم العربي أن تكون أسطره المترجمة مقابلة للأشطر الأوروبية فلابد له أن يضحي


١ ترجمة نثرية من شعر إيدث سيتول، كتبها جبرا إبراهيم جبرا مجلة شعر. العدد ٢ صيف ١٩٥٧.

<<  <   >  >>