للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في التدوير وهو غافل.

أليس التدوير مسألة عروضية بحتة مرتبطة بالمعنى وبالموسيقى؟ ومن قال إننا أحرار في استعماله حيث شئنا ومتى شئنا؟ لنأخذ هذه الأشطر من خليل الخوري كما كتبها هو:

آه متى يشتد عصف الريح،

عصف الريح روح البحر،

لولا الريح جف البحر، آهٍ

من يحث لنا السحاب؟

أربعة أشطر جميلة سطرها الشاعر وهو لا يدري أنها في واقعها العروضي شطر واحد لا ينفصم نهايته كلمة "السحاب". ولقد كان التدوير المتصل ثقيلًا هنا لأن المعنى كان يقتضي الوقوف بعد الاستفهام الأول "آه متى يشتد عصف الريح؟ " وكان ينبغي أن ينتهي الشطر عند آخر هذا السؤال انتهاء عروضيًّا لينسجم الوزن والمعنى كما ينبغي لهما في كل شعر جيد. وأما عبارة "عصف الريح روح البحر" فقد كان حقها أن تفصل فصلًا كاملًا عن سابقتها؛ لأنها عبارة خبرية وما قبلها استفهام يختلف عنها بلاغيًّا.

وإنما وجد التدوير لربط شطر أول لم ينته المعنى فيه بشطر تالٍ له. وهذا هو القانون في كل تدوير. وإذن فما الداع إلى أن يربط الشاعر للعبارتين "متى يشتد عصف الريح؟ " و"عصف الريح روح البحر؟ " ما من جواب منطقي سوى أنها قد تكون "ضرورة" فإن في الأمة العربية اليوم جيلًا من الأدباء والشعراء الناشئين يحسبون هدم قواعد البلاغة والنحو والعروض مظهرًا من مظاهر التجديد. ولذلك لا نجدهم يعنون بمراجعة قاموس أو مرجع في القواعد، لا بل إنهم يستخفون بالناقد الذي يعاتبهم على إهمال قاعدة أو استعمال لفظة على قايس فاسد. وليس من الضروري أن يكون خليل خوري أحد هؤلاء فإن قصيدته هذه تشير إلى قدرة تعبيرية ملحوظة.

<<  <   >  >>