للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنه أولًا يقطع بيتًا تقطيعًا لا صلة له بالوزن، وهذا غير مقبول، فإنما التقطيع صفة يفرضها الوزن ولا يتحكم فيها سواه، ثم إن الشاعر بهذا التقطيع المتعسف يجعل أشطره مدورة في موضع لا يسوغ فيه التدوير.

ذلك فضلًا عن أن قواعد البلاغة لا تبيح أن نفصل عبارة "من أين" عن عبارة "لا أدري". وليس من غرض بياني يسوغ فصل الفعل "ألتاث" عن الفعل "يوجعني" وهما في مرتبة نحوية واحدة. ومهما كان فإن فصل العبارات عن بعضها في الشعر ينبغي ألا يكون إلا إذا اقتضته وقفة عروضية، فلا شيء سواها يستطيع تقرير فصل غير مباح. هذا مع العلم بأن بعض الفصل لا تبيحه حتى وقفة عروضية وذلك مثل الفصل بين مضاف ومضاف إليه ونحوه.

والواقع أن السادة الشعراء يرتكبون في الواقع إساءتني أولاهما: أنهم يقعون في التدوير في الشعر الحر مع أنه ممتنع فيه لأنه شعر ذو شطر واحد، وثانيتهما: أنهم بالإضافة إلى خطيئة التدوير، يقسمون الشطر إلى أشطر على أساس المعنى، مع أن الشطر في العروض وحدة موسيقية مستقلة وينبغي أن يُفْصل بينها وبين أية وحدة أخرى فصلًا ملحوظًا بترك فراغ على الورق.

هذا وأمثاله يشير إلى أن القصيدة قد أفلتت من سيطرة الشاعر المعاصر، فهي تقوده وتجري به حيث تشاء، وهو لا يملك من عدة اللغة، والعروض ما يعينه عليها. إنه غير شاعر بوحدة الشطر، تارة يبدأ شطرًا بالنصف الأخيرة من الكلمة، وتارة ينهي شطرًا بالنصف الأول من الكلمة. وأحيانًا يورد بيتًا ذا شطرين متساويين على النمط الخليلي وهو يظن أنه يكتب شعرًا حرًّا تتعدد أطوال أشطره. وتراه يكتب أبياتًا مدورة وهو يحسب أن كل شطر فيها مستقل، وأحيانًا يضع قافية في نهاية الشطر ويظن أنها هي القافية، مع أن شطره مدور بحيث يذهب نصف القافية إلى الشطر التالي فلا تعود قافية. وكل هذه الفوضى تنشأ عن وقوع الشاعر

<<  <   >  >>