للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد أدى تغافل كتاب العروض قديمًا وحديثًا، عن البند إلى أن يرقد تحت غبار الإهمال محوطًا بالإبهام والشك، لا يجرؤ ناقد على نقده أو التحدث عنه، وقد يتطاول عليه جاهل بأنه نثر. وشاعت عنه في الدوائر الأدبية الشائعات الضبابية التي لا يمكن أن نهتدي عبرها إلى حقيقة ثابتة له، ومن أبرز هذه الشائعات قولهم إن البند ينتمي إلى بحر الهزج:

مفاعيلن مفاعيلن

والواقع أن هذا حكم غالط وغلطه واضح كل الوضوح، حسبنا لكي نرد عليه أن نورد افتتاحية بند ابن الخلفة الذي اقتطفنا منه:

أيها اللائم في الحب، دع اللوم عن الصب ... إلخ

فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فَ

فإذا كان وزن البند، كل بند، هو "الهزج" فلماذا كانت التفعيلات هنا "فاعلاتن"؟ وهل تفعيلة الهزج إلا "مفاعيلن"؟ فأين هي إذن؟ ومن الحق أن نقول إن الذين كتبوا عن البند قد انتبهوا جميعًا إلى أن هذا الوزن ليس هو الهزج على الرغم من أن هناك في البنود كلها أشطرًا كثيرة من الهزج. وحيرهم ذلك فابتدعوا له تخريجًا غريبًا في بابه فقالوا إن هذا الوزن هو الهزج بزيادة سبب خفيف في أوله كما يلي:

وهذا شيء غير مسموع في العروض العربي، فلسنا نعرف في الشعر حرفًا إلا وهو داخل في وزن الشطر والبيت، فبأي حق نفرد سببًا خفيفًا فلا نزنه؟ وإذا كان في وزن البند زيادة غير موزونة فما سر الإيقاع فيه إذن؟ وعلى أي وجه تقبله الأذن العربية المرهفة؟ والحق أن البند وزن جميل مرقص، وهذا الجمال فيه لا يمكن أن يدل إلا على شيء

<<  <   >  >>