وذلك لما سبق أن لاحظناه من أن العرب لم يجمعوا تشكيلتين في قصيدة واحدة. وإنما نجد قصائد تنفرد بإحدى التشكيلتين هذه أو تلك.
وأما في البند فإن هاتين التشكيلتين تجتمعان وليس في اجتماعهما محذور كما رأينا في النموذج الذي درسناه، ثم إن اجتماع بحرين اثنين من بحور الشعر ليس مستساغًا في البند وحسب، وإنما هو مطلوب وهو السر في حلاوة البند وموسيقيته. وذلك هو الفرق الوحيد بين الشعر الحر والبند، وهو فرق لا يطغى على أوجه الشبه التي ذكرناها.
والحقيقة أن الشبه بين الشعر الحر والبند يبلغ من القوة إلى درجة أن بعض الناشئين من الشعراء يخلطون بينهما دون أن يدروا، ومنهم نذير عظمة الذي نقرأ له هذه الأشطر على أنها من الشعر الحر.
قد عرفت الآن بو زيد عرفت الصيد والكهفْ
ولم كان إذا ما كحل العينين بازي الليل بو زيد
وأما يرم الشارب بو زيدْ
أنا عنترة الحيْ
هلموا أيها الأبطال إن الصيد بالنار ضئيل
لم تقاسمنا أبو زيد خجالًا١؟
رمل "فاعلاتان".
هزج" مفاعيلْ.
"هزج".
"هزج".
"هزج" فعولن.
"رمل" فاعلاتن.
الواقع أن هذه الأشطر الشعبية في روحها تكون بندًا كامل الوزن ينضبط فيه البحران: الرمل والهزج انضباطًا تامًّا. فالشطر الأول كان من الرمل ذي الضرب المسبغ "فاعلاتان" فانتقل الشاعر بعده فورًا إلى الهزج الذي ضربه "مفاعيل" على القاعدة. وتتالت بعده ثلاثة أشطر من الهزج آخرها انتهى بالضرب "فعولن" الذي مهد لبحر الرمل وقد انتقل الشاعر إليه فورًا مستعملًا الضرب "فاعلاتن". وهذا كله جارٍ على قاعدة البند التي استخلصناها في هذا الفصل جريانًا تامًّا. وإنه لدليل على قوة سمع نذير
١ قصيدة "الفانوس" لنذير عظمة. مجلة شعر. بيروت. العدد التاسع شتاء ١٩٥٩.