فإن أحد الاسمين في كل فريق يشخص الناحية الكبرى التي يختلف بها عن قرينه. إن الليل والنهار يتشابهان في أنهما كليهما يحتويان، في المتوسط، على اثنتي عشرة ساعة، كما أن الشعر والنثر يتشابهان في أن كلًّا منهما يحتوي على عواطف إنسانية وصور معبرة في المتوسط. غير أن قولنا الليل والنهار لا يثير في أذهاننا مسألة عدد الساعات هذه كما أن قولنا الشعر والنثر لا يثير لدينا مسألة المحتوى العاطفي والجمالي، وإنما تشخص التسميات الأربع خصائص أكبر من هذه وأوضح، تشخص الظلام في الليل والضياء في النهار، كما تشخص الوزن في الشعر وعدم الوزن في النثر. ومن ثم فإذا نحن سمينا كل كلام شعرًا بمعزل عن فكرة الوزن، فسوف نكون كمن يسمي الحياة كلها نهارًا سواء أكان فيها ضياء أم لا. وإنه لواضح أنها تسمية مفتعلة. إن الليل ليل، والنثر نثر. وواجبنا نحو اللغة والذهن الإنساني أن نسميهما ليلًا ونثرًا دون أن ننتحل لهما تسميات مضللة لا تشخص شيئًا. وما الذي نستفيده من تسمية النثر شعرًا والليل نهارًا يا ترى؟ أو ليس تشخيص الفروق أحسن من ذلك وأجدى؟
إن اللغة، التي هي محصول الذهن الإنساني عبر عشرات القرون، لا تضع الأسماء اعتباطًا ولا عبثًا، وإنما هناك مفهوم فلسفي عام يكمن وراء كل تعريف وتسمية، في كل لغة. تحاول اللغة أن تشخص الملامح البارزة وترمي بذلك إلى تصنيف الأشياء تصنيفًا يسهل على العقل مهمة التفكير، ويعطي الإنسانية مجالًا للتعبير عن منطقها وفكرها. فما نكاد نلفظ كلة النهار في أية لغة حتى يشرق الضوء في الذهن الإنساني وتنبسط فكرة النور، وما نكاد نلفظ كلمة الشعر حتى ترن في ذاكرة البشرية موسيقى الأوزان وقرقعة التفعيلات ورنين القوافي. واليوم جاءوا في عالمنا العربي ليلعبوا لا بالشعر وحسب وإنما باللغة أيضًا وبالفكر الإنساني نفسه ومنذ اليوم ينبغي لنا، على رأيهم، أن نسمي النثر شعرًا والليل نهارًا لمجرد هوى طارئ في قلوب بعض أبناء الجيل الحائرين الذين لا يعرفون ما يفعلون بأنفسهم.