ولا ريب في أن النثر، بافتقاره لهذه الموسيقى المؤثرة، يفقد خاصية يتفوق بها الشعر عليه في إثارة المشاعر ولمس القلوب. ولذلك كان النثر، في الغالب، قرين البحث العلمي والدراسة الموضوعية، حتى أصبحنا نصف الشعر الذي لا يطربنا بأنه "نثري". والحقيقة التي لا مفر لنا من مواجهتها أن الناثر، مهما جهد في خلق نثر تحتشد فيه الصور والمعاني، يبقى قاصرًا في اللحاق بشاعر يبدع ذلك الجمال نفسه ولكن بكلام موزون. فالوزن في يد الشاعر قمقم سحري يرش منه الألوان والصور على الأبيات المنغومة، هيهات للناثر أن يستطيع ذلك بنثره. أترى دعاة قصيدة النثر ينكرون أن خواطر محمد الماغوط التي اخترناها تكون أجمل لو نظمت شعرًا لا نثرًا؟ نقول ذلك لا لننتقص من تلك الخواطر وإنما لمجرد أنها كتبت نثرًا وتطاولت إلى أن تسمي نفسها شعرًا، وإنما النشوة والموسيقى والدفء من مصاحبات الوزن، فمن رغب فيها فليكن شاعرًا وليعرف كيف يرقرق معانيه في قصائد متدفقة. وبعد، فليس يعيب النثر أنه ليس شعرًا، وأن الموسيقى ملازمة للشعر لا له. إن تلك هي طبيعة الأشياء وكلٌّ لما خلق له.
وفي وسعنا ختامًا، أن نلخص تعريف الشعر إنه ليس عاطفة وحسب، وإنما هو عاطفة ووزنها وموسيقاها. وعلى ذلك فإن قدرة الناثرين على حشد العواطف والصور في نثرهم لا يقرب ما يكتبون من الشعر أي تقريب. وإنما جمال ما يكتبون مرتبط بكونه نثرًا، ولن يكون شعرًا إلا إذا نجحوا في صياغته شعرًا. وتلك موهبة الشاعر دون الناثر وهو أمر يترك خارجًا مهما قالوا ومهما جهدوا.
وأحب أن أذكر أصحاب الدعوة أخيرًا بأنهم، بعد كل ما قالوا وكتبوا وضجوا، ما زالوا هم أنفسهم مضطرين إلى التمييز بين الشعر والنثر. وهذه خزامى صبري نفسها، في فقرتها التي اقتبسناها، تتحدث عما تسميه "وزنًا تقليديًّا" -تقصد الشعر- ووزنًا غير تقليدي -تقصد