يقوم توازن خفي ثابت بينها وبين سياق القصيدة. فإذا كانت القصيدة تتناول موضوعًا ساكنًا كالنهر مثلًا فتصفه كما يلوح للشاعر في لحظة معينة، جاءت القصيدة تعاقب صور وانفعالات وأفكار متتالية ذات قيمة متساوية. وفي هذه الحالة تكون خاتمة القصيدة أقوى من سائرها حيث يقوم نوع من التعارض الخفي بين البيت الأخير وبقية الأبيات. أما حين تتناول القصيدة حادثًا "أو امتدادًا زمنيًّا، بكلمة أخرى" فإن الحركة تأتي من تعاقب الزمن الذي يستغرقه الحادث ويمر عبر القصيدة أمامنا. وفي هذه الحالة تكون الخاتمة متميزة عن سائر القصيدة بأن توقف هذه الحركة عند نقطة منطقية. وهي حالة يقوم فيها التعارض بين الحركة الزمنية في القصيدة والسكون في ختامها.
ومن الأساليب التي قد يختتم بها الشاعر قصيدته ما يقوم على أساس الإيقاع والموسيقى كأن تكون القصيدة ذات مقطوعات متساوية الطول رباعية أو أكثر، فيجعل المقطوعة الأخيرة ذات طول مختلف. والقصر أكثر تأثيرًا في هذه الحالة، ومنه قصيدة جميلة لمحمود حسن إسماعيل عنوانها "فاتنتي مع النهر"١ ختم فيها قصيدته ببيتين، بعد مقطوعات أطول بكثير، فكانت خاتمة مؤثرة من أجمل ما يقرأ للشعر من خواتم. وهذا هو المقطع الثالث منها والخاتمة:
سألته: يابن الأسى رحمة ... فالنوح لا يُطرب سمع الصباح
فجرك رفراف السنا والمنى ... فوقك طير عبقري الجناح
ما لك لا تُلْهم غير الأسى ... ولا تغني غير نار الجراح؟
فقال: يومًا، ستلاقي هنا ... عذراء من حور السماء الملاح
تبحث عني، فأجبها مضى ... صبك في الدنيا شريد النواح
١ نشرت في مجلة الرسالة. المجلد الأول. السنة السابعة ص٨٣.