للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيمة في القصيدة وما له قيمة في نفسه. فللقصيدة عالمها الخاص المنفصل عن عالم الشعر. إنها كيان حي ينعزل عن مبدعه منذ اللحظة الأولى التي يخط فيها على الورق. وذلك هو الذي يجعل الشاعر مضطرًا إلى أن يكف عن اعتبار تجاربه كافية في ذاتها لإبداع قصائد، فالشعر لا يعترف بأية قيم عاطفية أو جمالية في خارجه، ولا بد لمن يريد أن يتغنى بمكان يحبه أو شخص يعزه أن يجعل هذا الشخص وذلك المكان حبيبًا في داخل القصيدة نفسها بمختلف وسائل الفن المشروعة.

ولا بد لنا أن نشير هنا إلى فشل تلك المحاولات التي يلجأ إليها الشعراء حين يضيفون إلى قصائدهم حواشي وشروحًا عن تاريخ الأماكن التي يتغنون بها في قصيدة ما، فليس أبعد عن روح الشعر من مثل هذا. وذلك، ولا ريب، يجعل أكداسًا كثيرة من الشعر الوطني الذي ينظم اليوم عاطلًا من القيمة الفنية؛ لأن الشاعر يعتمد فيه على المعرفة السابقة التي يملكها الجمهور المعاصر عن الأشخاص والأماكن والأحداث، فلا تكون قصيدته إلا هامشًا أو تعليقًا على الأشياء، دون أن تملك في ذاتها المستلزمات الكافية لقصيدة حول تلك الأشياء. وأما حين ستتطور حياتنا وتصبح تلك الأحداث معلومات تاريخية لا يحتاج إليها جمهور عربي متأخر، فإن نقص تلك القصائد سيظهر وسيفقدها مكانتها الفنية. ولذلك ينبغي للشاعر أن يتطلع إلى قصيدته وينسى الجمهور. فإنما التعبير المكتمل إرضاء للحس الفني المتعطش في نفس الشاعر مهما كان الجمهور قانعًا ومستعدًّا للمسامحة ومد يد المساعدة. والقصيدة التي تحوجنا إلى أن نقرأ عنها حاشية أو شرحًا نثريًّا ليست قصيدة جيدة، ولعلها -من وجهة نظر الفن- فشل يعترف به الشاعر نفسه حين يرضى أن يضع القصيدة حواشي وهوامش.

وأما التعادل الذي هو آخر صفات الهيكل الجيد فنقصد به حصول التوازن بين مختلف جهات الهيكل وقيام نسبة منطقية بين النقطة العليا فيه والنقطة الختامية. وإنما يحصل التعادل على أساس خاتمة القصيدة، حيث

<<  <   >  >>