في موضع دون موضع. كما أن القوى لا تتجمع لتلتقي في ذروة متشابكة وإنما تجري عناصر الموضوع مستقلة مجزأة كما يجري جدول في أرض منبسطة لا تعلو ولا تنخفض ولا تتخللها غابات كثيفة معرقلة. ولهذا نستطيع أن نحذف ما نشاء من أبيات ونقدم ونؤخر دونما حرج.
على أن أبرز خاصية لقصائد الهيكل المسطح أنها مملوءة بالفجوات، فمن السهل أن نضيف إليها ما شئنا من الأبيات دون أن نفقدها وحدة أو نسيء إلى رابطة فيها. وهذا لأنها في الأصل أشبه بأرض فضاء ممتدة لا بداية لها ولا نهاية، ولا تختلف جهة فيها عن جهة، إن في وسع الشاعر أن يوصلها إلى ما شاء من الأبيات، والشرط الوحيد أن يشدها شدًّا ما ويحدث فيها رابطة ولو شكلية. ولعل خير رابطة يلجأ إليها الشاعر في القصيدة المسطحة هي استعمال القافية الموحدة، كما يصنع نزار قباني في شعره دائمًا. وذلك لأن هذه القافية تصبح أشبه بسياج متين يشد الأبيات المفككة في داخله. والقافية الموحدة عظيمة القوة في القصيدة فهي تلمها وتمنعها من الانفلات منعًا صارمًا. ولعل هذا هو السبب في أن أغلب الشعر العربي كان مسطحًا. فقد كانت القافية الموحدة من القوة بحيث أغنت الشاعر عن التماس هيكل معقد يقوم الرابط فيه على ما هو أعمق من القافية الموحدة.
وبسبب هذا التفكك الطبيعي في القصائد المسطحة تحتاج القصيدة إلى خاتمة شامخة تكون هي الأخرى أشبه بسياج عالٍ يحد البقعة الصغيرة الممتدة وينهيها. إن ترك القصيدة المسطحة غير كاملة يضجر القارئ المرهف ويشعره بأنه لم يخرج بشيء، وهذا لأنه يوحي أن الامتداد لا ينتهي، والذهن والإنساني لا يستريح إلى الامتداد المطلق ويفضل أن ينتهي كل شيء نهاية ما. والواقع أن خاتمة القصيدة تخرجنا من هذا التمادي غير المريح، ومن هذا الاستواء، وتشعرنا بأن التيه قد انتهى إلى حدود ما. وما دامت القصيدة المسطحة – بطبعها مستوية تتساوى فيها القيم