للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتنظرته حياة،

فأعياني دبيب الحياة في مخلوقي

كل يوم أقول: في الغد. لكن

لستُ ألقاه في غد بالمفيق

ضاع عمري، وما بلغت طريقي

وشكا القلب من عذاب وضيق

الفعل "تنظر" أكثف من الفعل "انتظر" ويوحي بفترة انتظار أطول وأمر. وهذه هي حالة الشاعر الذي أضاع عمره في صنع تمثاله الفذ أملًا بأن تدب فيه الحياة، وقد طال به انتظاره، وعبث به الأمل، وبدأ يثقل عليه. وقد راحت طلائع اليأس الأخير تلوح إذ اقترب الشاعر من الشيخوخة. ولذلك يبعث صرخته الدامية:

ضاع عمري ... وما بلغت طريقي ...

ولا بد لنا أن ننتبه إلى الفرق الواضح في كثافة الشعور بين الأبيات الثلاثة الأولى، والثلاثة الأخيرة، ففي وسعنا أن نجزم بأنه أكثف في الأخيرة. إلا أننا لو أردنا الدقة لقلنا إن هذه الكثافة تزداد بنسبة شبه ثابتة كلما تقدمنا في الأبيات. ففي البيت الأول يصف الشاعر نفسه بأنه شبح وثيق الخفاء وهذا يكاد يخلو من الانفعال وكأن الشاعر يحس أن عليه أن يقدم نفسه لأمه الطبيعة بهدوء. إلا أنه في البيت الثاني يبدأ بتفصيل أمره قائلًا

إنه "صانع الأمل الضاحك" ويعرض هذا إلى بداية الانفعال فيصرخ في البيت الثالث:

صغته صوغ خالق يعشق الفن

ويسمو لكل معنًى دقيق

وفي هذا أول بوادر الشكوى، فهو يذكِّر الطبيعة بأنه قد "جهد"

<<  <   >  >>