في هذه الأبيات نجد الشاعر ما زال يذرع العالم والزمن من أجل تمثاله، وقد استعمل لفظي "الإسراء" و"الطروق" وهما فعلان يدلان على الزمن. وجعل الشاعر إسراءه "كل ليلة" وجعل اقتحامه الضحى تارة على صورة راعٍ من رعاة آسيا وتارة على صورة صياد من إفريقيا، ثم رجع بالزمن إلى الوراء أكثر من عشرين قرنًا فاتخذ هيئة شاعر إغريقي تتراءى له خيالات الآلهة القدماء.
إلى هنا انتهى الشاعر من مرحلة "العرض" فأحاط القارئ بظروف تجربته الإنسانية. وقد رأينا أن العاطفة كانت متكافئة في الأبيات فلم تتركز في مكان خاص، وإنما تحركت في الزمن في خطوات دائبة مستمرة متشابهة في سرعتها وسعتها. وكان المقصد في كل بيت أن يضفي الشعر صورة جديدة من جهده ومتاعبه، في خلق هذا التمثال وتزيينه وتخليده. وفجأة يبدأ الشعور بالتعقد والاندفاع نحو قمة عاطفية يوحي بها جو القصيدة وكأنه ينذر بعاصفة رهيبة. وتظهر بوادر هذا في خطاب يوجهه الشعر المجهد إلى "الطبيعة":