للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طرتُ في أثره أشق طريقي

شهد النجم كم أخذت من الروعة عنه

ومن صفاء البريق

شهد الطير كم سكبت أغانيه

على مسمعيك سكب الرحيق

شهد الكرم كم عصرت جناه

وملأت الكئوس من إبريقي

شهد البر ما تركت من الغار

على معطف الربيع الوريق

شهد البحر

لم أدع فيه من در جدير بمفرقيك خليق

إن هذه الأبيات تقدم حركة واسعة، لا في الزمان وحسب، ولكن في المكان أيضًا، في عرض العالم وطوله: إلى النجوم لاقتباس بريقها وروعتها وإلى الكروم لملء الكئوس بالعصير لشفتيه، وإلى البحر اصطيادًا للؤلؤ والمرجان وكل ما يليق بمفرقه. ومما لا شك فيه أن هذه الحركة المكانية قد استغرقت زمانًا طويلًا، وقد قصد الشاعر أن يرينا كيف استنزف شبابه وسعادته في تنميق تمثاله وتزينه ومنحه العمق والجمال. وقد أفادت كلمة "كم" إذ أوحت بتعدد "الحدث" مما يقتضي زمانًا أطول وأبطأ. ثم تأتي، بعد ذلك، الطبيعة بغاباتها وجبالها ووديانها وممالكها وقاراتها وتواريخها فيمضي الشاعر يلفها حول تمثاله العجيب:

ولقد حير الطبيعة إسرائي لها

كل ليلة وطروقي

واقتحامي الضحى عليها

<<  <   >  >>