"دليلته"١ وحوريته فهي تجمع في ذاتها الإيمان والمجون معًا.
إن الهيكل هنا غير هرمي، فمن الممكن أن ننقل مقطوعة مكان أخرى دون أن تمس القصيدة، وهذا لأن الحركة كانت ذهنية خارجية، ولم يتدخل فيها الزمن لتكون هناك عقدة ذات سياق تسلسلي يمنع من التقديم والتأخير.
والخاتمة في الهيكل الذهني تستدعي شيئًا من البروز والجهورية، فقلما تتلاشى هذه الهياكل في سكون، لخلوها من عنصر الزمن. ولكن جهورية الختام في الهيكل الذهني نوع خاص يختلف عن جهوريته في الهيكل المسطح. فبينما يستطيع الشاعر هناك أن يختم القصيدة بأية عبارة قاطعة حادة قوية المعنى، تجده في الهيكل الذهني يحتاج إلى أن يختمها بحكم عام ينهي المشكلة الفكرية التي أثارها، وذلك بإحداث موازنة بين نقط الحركة الذهنية كلها.
وهكذا وجدنا إيليا أبا ماضي، بعد البحث عن عنقائه في الطبيعة والقصور والصوامع والأحلام، يختتم القصيدة بموازنة عامة يخبر فيها القارئ أن السعادة تنبع من نفس الإنسان لا مما حوله. ومن دون هذه الموازنة تبقى قصائد هذا النوع من الهيكل ناقصة بحيث تترك في نفس القارئ إحساسًا بما يسمى في علم النفس بالفعالية الناقصة. ولعل قصيدة أمجد الطرابلسي تفتقد مقطعًا ختاميًّا ينتهي بالقارئ إلى فكرة أعم تخرج القصيدة من صيغتها الغنائية الحالية، فهي تكاد تكون -بمقاطعها كلها- صورة لفكرة واحدة وهي اجتماع المتعارضات كلها في هذه الفتاة التي يحبها الشاعر. وقد يكون الشاعر تعمد التخلص من مأزق الختام بتغييره الصيغة اللفظية التي ختم بها المقاطع الثلاثة السابقة:
يا فرحتي أنت ويا دمعتي
يا سقري أنت ويا جنتي
يا جسدي أنت ويا فكرتي
١ يبدو من السياق هنا أن الإشارة إلى قصة "شمشون ودليلة".