عليه سيطرة كاملة، ويستخدمه في موضعه، وإلا فليس أيسر من أن يتحول التكرار نفسه بالشعر إلى اللفظية المبتذلة التي يمكن أن يقع فيها أولئك الشعراء الذين ينقصهم الحس اللغوي والموهبة والأصالة.
والقاعدة الأولية في التكرار، أن اللفظ المكرر ينبغي أن يكون وثيق الارتباط بالمعنى العام، وإلا كان لفظية متكلفة لا سبيل إلى قبولها. كما أنه لا بد أن يخضع لكل ما يخضع له الشعر عمومًا من قواعد ذوقية وجمالية وبيانية. فليس من المقبول مثلًا، أن يكرر الشاعر لفظًا ضعيف الارتباط بما حوله، أو لفظًا ينفر منه السمع، إلا إذا كان الغرض من ذاك "دراميًّا" يتعلق بهيكل القصيدة العام. وستوضح نماذج الشعر التي اخترتها ما أقصد بهذا. كما أن البحث لن يخلو من نماذج للتكرار الرديء الذي يصدم الحس الجمالي ويخرج عن الغرض الذي ينبغي أن يقصد إليه أي تكرار.
ولعل أبسط ألوان التكرار، تكرار كلمة واحدة في أول كل بيت من مجموعة أبيات متتالية في قصيدة، وهو لون شائع في شعرنا المعاصر، يتكئ إليه أحيانًا صغار الشعراء في محاولتهم تهيئة الجو الموسيقي لقصائدهم الرديئة، حتى كثرت القصائد التي يبدأ كل بيت فيها بألفاظ مثل "أنت" و"تعالي" و"هنا" ونحوها. ولا ترتفع نماذج هذا اللون من التكرار إلى مرتبة الأصالة والجمال إلا على يدي شاعر موهوب يدرك أن المعول في مثله، لا على التكرار نفسه، وإنما على ما بعد الكلمة المكررة، فإن كان مبتذلًا، رديئًا، سقطت القصيدة، وإلا فهي في مستوى قصيدة الهمشري "إلى جتا الفاتنة" وهذا نموذج منها:
أنت كوخٌ معشوشبٌ في رباةٍ ... مُقمر الصمتِ، سرمدي الخيالِ