للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبيتان من شعر عبد الوهاب البياتي:

بالأمس كنا - آه من كنا ومن أمسٍ يكون -

نعدو وراء ظلالنا - ... كنا ومن أمسٍ يكون -١

وبيت لأحمد عبد المعطي حجازي:

وتضيء في ليل القرى ... ليل القرى كلماتنا٢

إن هذه التكرارات كلها مختلة، تثقل العبارة ولا تعطيها شيئًا، فلو حذفناها لأحسنَّا إلى السياق وأنقذناه من الاختلال. ذلك أن العبارات هنا لا تستدعي تكرارًا، وإنما رأى الشاعر أن يكرر أي لفظ كان واختاره من وسط العبارة وبتره عن سياقه. والواقع أن أبسط مقومات التكرار أن تكون العبارة المكررة مستقلة بمعناها عما حولها بحيث يصح انتزاعها من سياقها وتكرارها. وهذا ما لا نجده في أي من هذه الأبيات.

إن نزار يكرر "لو لم تكن" وبذلك تفصل العبارة المكررة بين "كان" واسمها، أو لنقل إنه يكرر عبارة ليس فيها لكان اسم ثم يأتي بالاسم بعد التكرار. والبياتي يذهب أبعد فيكرر نصف عبارة لا معنى لها فلا ندري ما المعنى المقصود بالتكرار. ويصنع عبد المعطي ما يشبه هذا إذ يعزل المجرور ويكرره ولو كان كرر الجار والمجرور معًا "في ليل القرى" لكان الأمر أهون، وإن كان ذلك لا ينقذ العبارة من الاختلال.

إن تكرار جزء من عبارة لا تحتم تكراره ضرورة نفسية يقتضيها المعنى لا بد أن يميل بالعبارة، وهذا يعود بنا إلى الهندستين العاطفية واللفظية للعبارة.

هذان القانونان القائمان على الأساس العاطفي والهندسي للعبارة هما الشرطان


١ أباريق مهشمة لعبد الوهاب البياتي. بغداد ١٩٥٤. ص٤٧
٢ مجلة الآداب – تموز ١٩٥٧.

<<  <   >  >>