للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهندسة اللفظية الدقيقة التي لا بد للشاعر أن يعيها وهو يدخل التكرار على بعض مناطقها. إن في وسع التكرار غير الفطن أن يهدم التوازن الهندسي ويميل بالعبارة كما تميل حصاة دخيلة بكفة ميزان. ومن ثم فإن القاعدة الثانية للتكرار تحتاج إلى أن تستند إلى وجهة النظر الهندسية هذه، فتقرر أن التكرار يجب أن يجيء من العبارة في موضع لا يثقلها ولا يميل بوزنها إلى جهة ما. يقول بدر شاكر السياب في قصيدة له:

في دروب أطفأ الماضي مداها

وطواها

فاتبعيني اتبعيني١

إن التوازن حاصل في هذه العبارة الشعرية، وقد قام على تكرار كلمة "اتبعيني". ذلك أننا هنا بإزاء طرفين متوازنين: "الماضي" الذي يذكره الشاعر ويفزع من انطفائه وتلاشيه: و"المستقبل" الذي يحاول تثبيته ودعمه عندما ينادي حبيبته "اتبعيني". إنه يحس بانطفاء الدروب الضائعة في الأمس فيحاول أن يملك ثباتًا في المستقبل على أساس الحب الإنساني، وبهذا يتم التوازن العاطفي للعبارة. وقد رتب الكلمات بحيث تلائمه هندسيًّا، وذلك بأن أعطى الماضي فعلين قويين هما "أطفأ" و"طوى" فكان لا بد له أن يعطي المستقبل أيضًا فعلين لكي يوحي بقوته إزاء هذا الماضي، ولذلك كرر كلمة "اتبعيني".

ولننظر الآن في نماذج لعبارات شعرية مال بها التكرار وأخل بتوازنها وهدم هندستها: بيت لنزار قباني:

ماذا تصير الأرض لو لم تكن

لو لم تكن عيناك ماذا تصير٢؟


١ ديوان أساطير. النجف ١٩٥٧ - ص٤٠
٢ قصائد نزار قباني. بيروت ١٩٥٦- ص١٦.

<<  <   >  >>