للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه ... وليت الغضى ماشى الركابَ لياليا

لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى ... مزارٌ، ولكن الغضى ليس دانيا

إن إلحاح هذا الشاعر على كلمة "الغضى" يدل على حرقة الحنين التي تعصف بقلبه ساعة الموت. ومثله العذوبة التي يلوح أن ابن الفارض يحسها وهو في نجواه الصوفية المختلجة بالعواطف حين ينادي:

يا أهل ودي أنتم أملي، ومن

ناداكمو، يا أهل ودي، قد كُفي١

إن هذين النموذجين، كسواهما من نماذج الشعر القديم، يعرضان في التكرار أسلوبًا "جهوريًّا" يماشي الحياة العربية القديمة التي كان الشاعر فيها يعتمد على الإلقاء أكثر مما يعتمد على الحروف المكتوبة، والتكرار يقرع الأسماء بالكلمة المثيرة ويؤدي الغرض الشعري. ومن ثم فلا بد لنا من ملاحظة الفرق بين هذه الجهورية وتلك الرهافة والهمس في تكراراتنا الحديثة التي يؤدي بها الشاعر معاني أكثر اتصالًا بخلجات النفس والحواس. لنأخذ مثلًا هذه الأبيات لبدر شاكر السياب:

........... وكان عام بعد عام

يمضي، ووجه بعد وجه، مثلما غاب الشراع

بعد الشراع ... ٢


١ هذا البيت يدخل في نطاق ما يسميه البديعيون "رد العجز على الصدر" وإن كان بالنسبة لبحثنا هذا تكرارًا محضًا.
٢ أساطير، لبدر شاكر السياب. النجف ١٩٥٠ – ص١٤.

<<  <   >  >>