للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تتردد في أذهاننا عبارة مهمة تنبعث من أعماق اللاشعور وتطاردنا مهما حاولنا نسيانها والتهرب من صداها في أعماقنا. وكثيرًا مما تفقد العبارة المتكررة معناها وتستحيل في الذهن المضطرب إلى مجموعة أصوات تتردد أوتوماتيكيًّا دون أن تقترن بمدلول، ومن ثم فهي تتعرض لأن "تنبتر" في أي جزء منها، فجأة حين ينشغل العقل الواعي بفكرة طارئة يفرضها العالم الخارجي، فتصحي المصدوم من ذهوله لحظات.. ولكن سرعان ما تعود العبارة الدرامية حين يخف الانشغال بما هو خارجي وترن في السمع. أنه تكرار لاشعوري لا يد لنا فيه. وهذا هو الذي يبرر وقوف بدر شاكر السياب عند الألف في كلمة "سأهواك" وكأن الصوت في انبتر فجأة ودُفع دفعًا إلى التلاشي.

على أن السياق الذي وضع فيه بدر تكراره اللاشعوري مفتعل قليلًا والتركيز ينقصه. فالشاعر كما نرى من الأبيات يمتلك من الوعي ما يجعله يرد على العبارة ويناقشها بقوله "نعم تصدقين" "ما أكذب العاشقين" وتعليقاته هذه تبدد الجو اللاواعي الذي يرتكز إليه منطق "البتر". على أن أصالة الابتكار تبقى مع ذلك تطبع الأبيات.

وقد حاول شعراء آخرون تقليد هذا البتر في التكرار أذكر منهم الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد في قصيدة له عنوانها "لعنة الشيطان"١ يقول فيها:

من يكونان؟ همسة أرجف الليل صداها وانساب في الظلماء

من يكونان؟ من يكو؟ من يـ ... واصطكت شفاه على بقايا النداء.

ولعله واضح أن البتر هنا غير مبرر نفسيًّا، فالمفروض أن هذا التكرار يمثل "أصداء" ومن طبيعة الصدى أن يتردد الجزء الأخير منه وحسب لا الأول كما في تردد عبارة الشاعر.


١ لعنة الشيطان "بغداد ١٩٥٢ "؟ " ص٦.

<<  <   >  >>