للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استعمل بلند الحيدري هذا البتر في قصيدة عنوانها "ثلاث علامات"١ حيث يقول:

وافترقنا

أنا لا أذ ...

نحن لا نذكر أن كنا التقينا

وهو يلوح لنا بترًا ضعيفًا لا يمكن تبريره إلا بفذلكة، وقد تكون للشاعر وجهة نظر خاصة فيه لم نحزرها. إن هذه المحاولات من شعرائنا طيبة من حيث إنها محاولات في طريق وعر لم يسلك، غير أنها أيضًا محاولات متسرعة تسمها اللفظية أحيانًا. وقد يكون التكرار اللاشعوري من أصعب أنواع التكرار إذ يقتضي من الشاعر أن ينشئ له سياقًا نفسيًّا غنيًّا بالمشاعر الكثيفة. فإن الترجيع الدرامي لا يجيء إلا عبر عقدة مركزة تجعل من الممكن أن تفقد عبارة معناها فتروح تكرر في حرية وقد تنبتر وتتشكل بمعزل عن إرادة الذهن الذي يعانيها.

هذه هي الدلالات الثلاث التي صادفتها للتكرار في شعرنا الحديث، وقد تكون هناك دلالات أخرى لم أفطن إليها. وقد يتطور أسلوب التكرار في شعرنا بحيث يغتنى ويمتلك مزيدًا من الدلالات والمعاني فيتاح للبلاغة والنقد أن يضيفا إلى ما جاء في هذا البحث.

ومهما يكن فقد آن الأوان لأن ينتبه بعض شعرائنا إلى أن التكرار، في ذاته، ليس جمالًا يضاف إلى القصيدة بحيث يحسن الشاعر صنعًا بمجرد استعماله، وإنما هو كسائر الأساليب في كونه يحتاج إلى أن يجيء في مكانه من القصيدة وأن تلمسه يد الشاعر تلك اللمسة السحرية التي تبعث


١ أغاني المدينة الميتة وقصائد أخرى "بغداد ١٩٥٧".

<<  <   >  >>