للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجب أن يكون اجتماعيًّا، إنما تتناول "الموضوع" وتجعله الغاية الوحيدة المقصودة في كل شعر. فهي لا تهتم بسائر مقومات القصيدة كالبناء والهيكل والصور والانفعال والموسيقى والفكرة والمعاني الظاهرة والخفية، وإنما تقصر عنايتها على موضوع القصيدة وكأنه العنصر الوحيد الذي يكونها. وهذا مخالف لمفاهيم الشعر البديهية، فلعل الموضوع في نظر النقد الأدبي أتفه مقومات الشعر وأقلها استحقاقًا للدراسة المنفصلة، وذلك لأن كل موضوع يصلح للشعر سواء أدار حول مشاكلنا القومية أو حول شجرة توت أو معركة سباب في شارع ضيق، فالمهم على كل حال هو أسلوب الشاعر في معالجة الموضوع، ولذلك نجد الموضوع عينه ميتًا أو مغمى عليه عند شاعر، حيًّا ينبض بالجمال المنفعل عند شاعر ثانٍ. ومن هذا يبدو أن الدعوة تلح على العنصر الوحيد الذي ليس شعريًّا في القصيدة.

ولا تقتصر الدعوة على عزل الموضوع عن سائر عناصر القصيدة، وتضخيم قيمته الفنية هذا التضخيم الذي لا يشفع له شيء، وإنما تمضي في طغيانها الحسن النية، فتأبى إلا أن تحدد مجال هذا الموضوع تحديدًا صارمًا. فكل شعور لا يتعلق بالوطنية بأضيق معانيها يفوز لديها بنعوت عاطفية جارفة لا يصد اندفاعها شيء. وهكذا نجدها لا تكتفي بهدم سائر معالم القصيدة، وإنما تهدف أيضًا إلى أن تتحكم حتى في العنصر الوحيد الذي أبقته وهو الموضوع. فهي تحمل سيفًا بتارًا وتقف مترصدة، فما تكاد تعثر على انفعال خصب يستجيب لجمال وردة، أو حب ساذج أو شعور بأزمة نفسية يعانيها فرد إنسان، حتى تضرب ضربتها في عنف وقسوة وتحكم على القصيدة بالتفاهة. وقد قرأنا في الصحف العربية مقالات عجيبة في النقد تصفق لكل قصيدة اجتماعية حتى إذا كانت من وجهة نظر الفن والنقد لا تستأهل أن تسمى شعرًا، ولو أراد النقد أن يتصدى لها لانهارت انهيارًا فاجعًا. وهذا كله جناية الموضوع على الناقد.

وإذا فحصنا الدعوة من الوجهة الاجتماعية وجدناها في صميمها تنزع

<<  <   >  >>