وتجعل سبيلها وعرًا. بعض تلك الظروف عام يتعلق بطبيعة الحركات الجديدة إجمالًا، وبعضها خاص بالشعر الحر نفسه.
أما الظروف العامة فتكمن في أن الشعر الحر، شأنه شأن أية حركة جديدة في ميادين الفكر والحضارة، قد بدأ لدنًا، حييًا، مترددًا، مدركًا أنه لا بد أن يحتوي على فجاجة البداية، فلا بد له من ذلك؛ لأنه على كل حال، "تجربة"، ولن يعفيه إخلاصه وتحمسه من أن يزل أحيانًا ويتخبط. ذلك أن مثل هذه الحركات الأدبية التي تنبع فجأة، بمقتضى ظروف بيئية وزمنية، لا بد أن تمر بسنين طويلة، قبل أن تستكمل أسباب النضج، وتملك جذورًا مستقرة، وتلين لها أداتها، وليس من المعقول أن تولد ناضجة، وإنما تبدو عيوبها كلما ابتعدنا عنها وأوغلنا في الزمن باختباراتنا الجديدة ونضج ثقافاتنا واتساع آفاقنا.
وأما الظروف الخاصة فتكمن في كون الشعر الحر حركة جديدة جابهها الجمهور العربي أول مرة في العصر. نقول هذا ونحن على علم بما يذهب إليه بعض الباحثين الأفاضل من أنها تجد جذورها في الموشحات الأندلسية، وفي البند الذي أبدعه شعراء العراق في القرنين الماضيين أو قبلهما بزمن يسير.
أما الموشحات الأندلسية فإن المشهور المحفوظ منها يقوم على أساس المقطوعة، ويحافظ على طول ثابت للأشطر، وحتى إذا تساهل بعض التساهل في الطول، فإن ذلك يجري في حدود معينة تجعل الموشح أبعد ما يكون عن الشعر الحر. وإنما الشعر الحر شعر تفعيلة، بينما بقى الموشح شعرًا شطريًّا. وسوف نبسط ذلك في موضعه من الكتاب.
وأما البند فالمعروف أنه أسلوب مجهول لدى الجمهور العربي، ولم ينظمه إلا شعراء العراق، وأنا شخصيًّا لم أسمع به من قبل سنة ١٩٥٣، على