للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنه يعيش حياة هادئة ونحو هذا لكي يخرج كليًّا عن حدود مملكة النقد الأدبي ويدخل في نطاق سيرة الحياة.

ذلك أن المهمة الأدبية للناقد تبقى مقيدة بالقصيدة من وجهتها الجمالية والتعبيرية، في دراسة موضوعية خالصة، يلاحظ خلالها هيكل القصيدة العام، ويقف عند أداة التعبير فيدرس مدى اتساقها مع جو القصيدة والعاطفة التي تسيطر عليها، ويدرس الوزن واللمسات الموسيقية وأثر القافية، ويتحدث عن الموضوع وأسلوب الشاعر في تناوله، ويعين الأساس الذي ترتكز إليه الفكرة العامة، وقد يخرج إلى المقارنة بين قصيدة وقصيدة وشاعر وشاعر. ولا بأس في أية اتجاهات أخرى لا تخرج عن هذه الحدود ولا تدخل في نطاق حياة الشاعر وآرائه الاجتماعية، فهذا يدخل في باب السيرة وهي دائرة منفصلة عن دائرة النقد الأدبي.

وأقرب المزالق إلى مزلق السيرة هذا، اتجاه الناقد إلى العناية بما في القصيدة من أفكار وجعلها الأساس في نقده. وهذا خطأ شائع يسهل الوقوع فيه خاصة في هذا القرن الذي تشعبت فيه الآراء وزادت سطوتها في الأذهان فبات لكل منا معتقدة الخاص الذي يؤمن به إيمانًا عميقًا ويتحمس له. ومهمة الناقد الأدبي شاقة لأن عليه أن يتجرد من طغيان آرائه وهو يتناول القصيدة التي يدرسها، فالمهم بالنسبة له هو القصيدة لا نوعية الآراء التي تحملها. والحقيقة أن استهواء الأفكار والآراء استهواء خطر لا سبيل إلى الاستهانة به خاصة حين تكون هذه الآراء مما يمس القضايا الحساسة في أنفسنا، إنسانية كانت أو قومية أو فردية. وكثيرون من الناس يجنحون دون وعي إلى الإعجاب بكل قصيدة تعبر عن آرائهم متغافلين عن ضعف القوى الشعرية فيها تغافلًا تامًّا. وتلك حالة تشفع فيها للقصيدة عوامل لا علاقة لها بالشعر، وهي حالة يقع فيها كثير ممن يكتبون في النقد، فالقصيدة عندهم رديئة لأنها تحتوي على رأي في الحياة يخالف رأيهم وكأن لآراء الشاعر قيمة فنية تؤثر في حكمنا على شعره.

<<  <   >  >>