للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمشكلة الأساسية في هذا المزلق، أن الكاتب يخلط بين القصيدة وموضوعها وهما شيئان منفصلان. ويمكن أن نقول إجمالًا أن الموضوع ينبغي أن يؤثر في القصيدة لا في الناقد، فكل ما يهم الناقد أن يلاحظه هو كفاءة القصيدة للتعبير عن الموضوع دون أن يناقش صلاحية الموضوع من الوجهة التاريخية والاجتماعية، فهذه تدخل في حدود مهمة الذين يدرسون تاريخ الحركات الوطنية والأدبية، وهي إن استأهلت من الناقد التفاتًا فهو التفات الإشارة، الذي لا يعفيه من نقد القصيدة نقدًا موضوعيًّا. والسقوط في هذا المزلق يستطيع أن يتم كما تم سابقه دون تطرف كبير. فيكفي أن يهتم الكاتب بالإشارة إلى آراء الشاعر حتى دون أن يناقشها لكي يخرج من حدود مهمته. ومن نماذج هذا الخروج أن يقول الناقد للقارئ إن الشاعر يحب الطبيعة أو إنه شديد الحساسية بدليل قوله ... وإنه يدعو للانطلاق بدليل قوله ... ونحو ذلك. فهذا كله لون من الدراسة الاجتماعية والنفسية ولا علاقة له بالنقد.

ومن أبرز المزالق التي يحذرها الناقد المثقف ما يمكن أن نسميه بالنقد التجزيئي، وهو ذلك النقد الذي يتناول القصيدة تناولًا تفصيليًّا يقف عند المظاهر الخارجية ويعفي نفسه من معالجة القصيدة باعتبارها هيكلًا فنيًّا مكتملًا. وأظهر أعراض هذا النقد اعتبار القصيدة مجموعة من المعاني وحدتها البيت على الأسلوب القديم. وفي هذه الحالة يقف الناقد عند البيت الواحد مناقشًا في أسلوب كلامي ويتناول التعابير مفصولة عن السياق فيحكم عليها بالجمال أو القبح. ويصبح ناقد هذا النوع خطرًا حين يكون ذكيًّا بارع الأسلوب، فهو إذ ذاك يفلح في تضليل طالب الأدب الناشئ وتوجيهه وجهة غالطة في التذوق والحكم، فبدلًا من أن يقدم له أسلوبًا منهجيًّا في تقييم القصيدة يشغله بملاحظات ذكية لاذعة هنا وهناك. مثل هذا الناقد ينسى أن الناقد الحقيقي يبدأ بعد هذه المرحلة التي تقف عند الثوب الخارجي وتترك جوهر القصيدة مطمورًا بعيدًا عن تذوق القراء.

<<  <   >  >>