للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأحد المزالق أن يعتاد الناقد أن يكون سلبيًّا في أحكامه فبدلًا من أن يدل على مواطن الجمال في الشعر المنقود، يكتفي بتبرئته من المعايب الشائعة. ونموذج هذا تلك العبارة التي يكررها الكتاب حين يحاولون الحكم على شاعر مقبول، وهي قولهم "إنه شاعر حقيقي يشعر ولا ينظم.." أفلا تتضمن كلمة "شاعر" معنى "الحقيقي الذي يشعر"؟ ومتى كان الشاعر يمتدح بأنه ليس "نظامًا" ومن أمثلة هذه الأحكام السلبية ما قرأناه لأديب كبير في نقد ديوان لشاعر معروف. قال: "لا تكلف ولا تبذل ولا لف ولا دوران ولا بهرجة بيانية وعروضية ولا تفتيش مضن عن أوابد الكلم والمعاني". ولسنا نفهم كيف يكون هذا مديحًا إلا إذا أصبح مجرد خلو الشعر من بعض العيوب الفادحة يمكن أن يعد فضيلة تمتدح، وإلا إذا كان المعنى أن شعرنا اليوم يقوم على اللف والدوران والبهرجة والتفتيش المضني عن الألفاظ.

وأحد المزالق الخطرة يكمن وراء استهواء الأفكار والسُكْر بالنظريات، وهو مزلق يتردى فيه أولئك الموهوبون الذين قال عنهم "ت. س. إيليوت" في بعض مقالاته إنهم يملكون عبقريات خلاقة، إلا أنهم لتعطيل في قواهم المنتجة، راحوا يتسلون بالنقد الأدبي. مثل هؤلاء عادة يحوكون حول القصائد نظريات متحمسة أو تفسيرات من لون بعيد عن الأصل بعدًا كبيرًا قلما يلاحظونه، فهم منتشون ببريق الفكرة التي ابتدعوها وليس على القصيدة إلا أن تنضغط وفق القالب الذي يريدونه.

وقريب من هؤلاء أولئك الذين يحملون عن القصائد آراء سابقة قبل أن يقرءوها فليس أخطر من هذا الاستعداد العاطفي؛ لأنه أحيانًا ينوم حاسة التذوق ويعطل قابلية الحكم ليفرض رأيًا غير مقبول.

أما إغراء الأسلوب والانتشاء بالألفاظ والتعابير فهو شرك للناشئين من النقاد الذين يسكرهم إحساسهم بالقدرة على التعبير فينشئون مقالًا منمقًا عالي الأسلوب مكتمل الإنشاء، إلا أنه لا يمس القصيدة التي يتناولها إلا

<<  <   >  >>