للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وظن الشعر نثرًا وتوهم الوزن والقافية قيدًا، ونظم المقطوعات المنثورة ودعاها شعرًا وأضاع بذلك عنصرًا أساسيًّا من أهم خصائص الشعر، وهو موسيقى التفعيلة؛ لأن الوزن والقافية -كما نرى- ليسا قيدين في الشعر من حق الشاعر أن ينطلق ويتحرر منهما وإنما هما خاصتان من أهم خصائص الشعر الجديد ليتميز بهما عن النثر الفني.. فهي -حركة الشعر الحر- دعوة إلى الحرية في اختيار الأوزان المناسبة لا التحرر منها أو التحريف فيها لاعتقاد روادها بأن الوزن ظاهرة موسيقية لا يتخلى عنها الشعر إلا ويستحيل نثرًا.

ولعل في وصف هذا اللون من الشعر "بالحر" دون التحرر ومرادفاتها مثلًا ما يشعر الباحث بضرورة الالتزام بالوزن والقافية، ولكنه التزام من نوع جديد: فيه حرية للشاعر ضمن حدود "بحور" معينة يتميز بها الشعر عن النثر، ليس في الموسيقى وحسب؛ إذ هي حاصلة فيها وإن اختلفت في نوعها ومقدارها.. التزام في بحر من البحور وحرية في عدد تفعيلات الشطر من البيت في القصيدة الواحدة. ثم التزام في القافية وحرية في تنويعها في القصيدة نفسها.. فليس "الشعر الحر" امتزاجًا بين بحور مختلفة أو التنويع فيها١ ولا ابتداع بحور جديدة، أو تحررًا من قيد الوزن والقافية؛ لأنهما إيقاع لا يريد دعاة "الشعر الحر" فقدانه وإنما يحرصون أشد الحرص على الرتابة فيه، وعلى تكرار النغم الذي يحدثه.

ومزية هذا الكتاب لا تنحصر في تحديد مفهوم "الشعر الحر" الذي اختلف في تطبيقه كثير من النقاد والكاتبين فضلًا عن الشعراء المجددين، وإنما حاولت الكاتبة أن تضع له قواعد عروضية كاملة في فصول مطولة ودعت العروضين والشعراء إلى دراستها، فإذا صحت أصبحت جديرة بأن تثبت فصلًا في كتب العروض العربي الذي لم يتناول -بطبيعة


١ أبو شادي في كتاب: جماعة أبولو وأثرها في الشعر الحديث صفحة -٥٢٨ لعبد العزيز دسوقي: ط الرسالة سنة ١٩٦٠م.

<<  <   >  >>