١- أن الشاعر -سواء أكان ابن دريد أم سواه- قد حطم استقلال البيت العربي، متعمدًا استعمال ما كان يعد عيبًا في الشعر وهو "التضمين" أي جعل البيت مفضيًا بمعناه وإعرابه إلى البيت الذي يليه. وهذا أول خروج نعرفه على ما كان مقبولًا في الشعر.
ولست أعني أن التضمين لم يرد عن العرب؛ فقد ورد في حالات نادرة وعابوه؛ وإنما أريد أن الشاعر -في أشطر ابن دريد- قد تحدى العرف الشعري وهو عامد يعي ما يفعل؛ فالأشطر المذكورة ثورة على قواعد الشعر المقبولة في ذلك الزمان.
٢- أن الشاعر قد خرج على قانون تساوي الأشطر في القصيدة الواحدة فجمع بين شطر ذي ثلاث تفعيلات، وشطر ذي خمس، وشطر ذي اثنتين وهكذا. وهو أمر لم يصنعه العرب قبله وهذه أول مرة يخرج فيها شاعر قديم على طول الشطر. ويبدو أن هذا أحد أسباب استنكار الباقلاني للأشطر ورفضه نسبتها إلى ابن دريد، قال:"من سبيل الموزون أن تتساوى أجزاؤه في الطول والقصر والسواكن والحركات فإن خرج عن ذلك لم يكن موزونا". ولا بد لي أن أعترض هنا على قوله إن الموزون تتساوى فيه السواكن والحركات شرطًا؛ فإن ذلك حكم فاسد بدليل ورود الزحاف في بعض الشعر دون بعض، وهو أمر يجعل الحركات والسواكن مختلفة من شطر إلى شطر مع تساوي الأشطر وقيام الوزن قيامًا كاملًا؛ فالباقلاني قد وقع في وهم، ولعله ضعيف المعرفة بالشعر؛ ولذلك انتقص معلقة امرئ القيس أشد انتقاص ممكن وجردها من الجمال والروعة اللتين نحبهما فيها جميعًا.
٣- أن الشاعر نبذ القافية نبذًا تامًّا وجاء بشعر مرسل وهو شيء لا مثيل له في الشعر العربي السابق لتلك الأبيات المنظومة في القرن الرابع الهجري.