هذا والأستاذ الدجيلي لم يعد هذه القصيدة شعرًا حرًّا؛ وإنما التمس فيها شكل البند الذي رآه فيها بعض الأدباء ثم قال الدجيلي:"إن هذه نبذة مفككة الأجزاء؛ فتصيد البند من هذا الكلام تكلف وتمحل؛ لأن البند كما قلنا سابقًا هو في الأغلب من بحر الهزج وهذه خارجة عن هذا البحر". والواقع الذي لم يلتفت إليه الباحث الفاضل أن أشطر ابن دريد تجمع بين بحور دائرة المجتلب جميعها ففيها أشطر من الرمل وأخرى من الهزج وثالثة من الرجز. والبند كما أثبتنا في هذا الكتاب يستعمل وزنين اثنين هما الرمل والهزج فيتداخل هذان البحران وفق قاعدة دقيقة مذهلة.
وقد استنكر الباقلاني نسبة هذه الأشطر إلى ابن دريد، ولعلي أؤيده في هذا لأن ابن دريد شاعر متمكن من اللغة، جميل الأسلوب، حلو الصور؛ فلا يمكن أن يسقط في مثل هذا التوتر و"الميكانيكية" الواردة في الأشطر الحرة المنسوبة إليه؛ غير أن الركاكة اللغوية فيها لا ينبغي أن تؤثر فينا نحن الباحثين المعاصرين؛ لأننا إنما نهتم هنا بوجود الشعر الحر. ولسوف نلاحظ أن هذا الكلام الموزون تبرز فيه ثلاث ظواهر تجعله يشبه الشعر الحر: