الشعر العربي الستة عشر للشاعر المعاصر الذي يهمه التعبير عن حياته في حرية وانطلاق. وما لم يدرك الشاعر العربي خطورة موقفه في هذا المفرق الموسيقي من تاريخ الشعر العربي، ومدى ما يمكن أن يسقط فيه من أغلاط ذوقية وعروضية وهو يندفع، فإن حركة الشعر الحر تسقط يومًا بعد يوم في هاوية مبتذلة ما كنا نحب أن تصير إليها.
وإنه ليخيل إلى من يراقب ما تنشره الصحف الأدبية من هذا الشعر أن شعراءنا يتناولون الأوزان الحرة ويلعبون بها كما يلعب طفل غير مسئول بحزمة أوراق مالية عالية القيمة. إنه فرحٌ بملمسها الناعم، بخشخشة ورقها، بألوانها ورسومها. إنه يكدسها ويدعكها ويبعثرها ويمزقها ثم يقف متفرجًا منتشيًا بما صنع، غير منتبه إلى ما بين يديه من ثروة. ولن ينكر أحد أن في بحور الشعر العربي إمكانيات موسيقية غنية في وسعنا أن نستخرجها إذا نحن كففنا عن اللعب بالتفعيلات وصفها وتلوينها وبعثرتها على أسطر متتالية فارغة من المعنى. والحق أنه إذا كانت اثنتا عشرة سنة من الشعر الحر لم تصح شعراءنا من السكرة الأولى التي جاءت بها فرحة الحرية فإن الأمر لا يبشر بالخير الكثير.
هذا قد كان موقف الشعراء أنفسهم من الشعر الحر، فماذا كان موقف الجمهور؟ لعلنا كلنا نعلم أن أغلب القراء -وبينهم ناظمون متمكنون- ما زالوا يجهلون الأساس العروضي الخليلي للشعر الحر. إن طائفة منهم تحسبه نثرًا لا وزن له مرصوصًا على أسطر متتالية بدافع غيّة صبيانية في نفس كاتبه. وأنا أميل إلى أن أعتقد بأن الجمهور غير ملوم في فكرته هذه. فإنما روج لها بعض الشعراء الكبار من الجيل الماضي، وقد راحوا يصرحون، في لذة لا تخلو من التشفي، أن الشعر الحر ليس موزونًا وإنما هو نثر. وبذلك ساهموا في هدم الناحية العروضية من الشعر الحر. ولعلنا أن ندافع حتى عن هؤلاء الشعراء الكبار. ذلك أن أكثرهم لم يكونوا نقادًا للشعر يومًا بحيث يستطيعون الكتابة عن ظاهرة