عروضية خالصة مثل الشعر الحر. وإنما يقع أكثر اللوم على النقاد الذين أهملوا الشعر الحر كل الإهمال فلم يحاول أي منهم أن يكتب بحثًا أو كتابًا يتناول فيه حركة الشعر الحر من جانبها العروضي. وقد كانت الأبحاث القليلة التي نشرت لي منذ سنة ١٩٥٢ في مجلتي الأديب والآداب١ وغيرهما هي -فيما أعلم ولعلي لم أتابع المنشور كله- الأبحاث الوحيدة التي عُنيت بعروض الشعر الحر وألحت في دعوة النقاد والشعراء إلى الالتفات إليه.
وأما الناحية التي عني بها النقد العربي في دراساته حول الشعر الحر فقد كانت غالبًا ناحية موضوعاته ومعانيه والصور فيه. فكان الناقد يكتب فصولًا طويلة عن عشرات من القصائد الحرة دون أن يشير ولو بسطر إلى الناحية العروضية منها، مع أن تلك القصائد التي كان الناقد يتحدث عنها كانت مشحونة بالأخطاء الوزنية. وأن المراقب الحريص على مستوى نقد الشعر في وطننا العربي ليتساءل في اهتمام عن سبب هذا: أترى هؤلاء النقاد لا يتحسسون الوزن ولا يستشعرون الخطأ العروض؟ أهم ضعيفو الشعور بموسيقى الشعر بحيث لا تصك أسماعهم كل تلك النشازات والأغلاط؟ أم أن لمسلكهم تعليلًا آخر أعمق جذورًا؟
من الحق أن نقول أن طائفة من هؤلاء النقاد الذين يكتبون عن الشعر الحر دون أن يتعرضوا للأخطاء العروضية فيه يملكون حس النقد وملكة التذوق، ويستجيبون للشعر على أجمل ما نحب لهم. ومن الثابت عندي أن بعضهم قد مارسوا نظم الشعر السالم من الأخطاء بأسلوب الشطرين. وإنما يكمن إهمالهم للناحية العروضية من الشعر الحر في ظاهرة أعماق بدأت تشيع في الجو الأدبي بعد الحرب العالمية الثانية، وأعني بها ظاهرة الرومانسية في النقد. ومنبع هذه الظاهرة في أدبنا العربي، شيوع تلك
١ أدرجت في هذا الكتاب ومنها بحث عنوانه "العروض والشعر الحر" دخل أهم ما فيه في هذا البحث.