النظريات التعبيرية expressive theories التي نادت بأن الشاعر ملهم، وبأن الأوزان تنبعث مغنية في أعماقه دون أن يحتاج إلى دراسة العروض وأوزان الشعر. لقد سرت هذه النظريات إلى مفاهيم النقد نفسها فقالوا بأن الناقد نفسه ملهم بحيث تنبع الأحكام من كيانه دون أن يميز القواعد بوضوح، وظنوا أن الارتكاز إلى القوانين الأدبية الدارجة يقلل من قيمة الناقد باعتباره موهوبًا يرتكز إلى الفطرة المبدعة ولا يحتاج إلى الدراسة العلمية. يضاف إلى ذلك أن الناقد العربي -وهو يدرس شعر شاعر يحتقر العروض لأنه ملهم- أصبح يكره أن يرتكز إلى قواعد العروض حذرًا من أن يسيئ إلى ذلك الشاعر الملهم بتنبيهه إلى القواعد التي تتعارض مع إلهامه وموهبته.
ومهما يكن من أمر الأسباب فإن نقادنا المحدثين أصبحوا ينطوون على الاستحياء من علم العروض ويؤثرون إقصاءه عن قيم النقد وأصوله، وكأن شعرنا أجمل وأرق وأسمى من أن يقاس بالمقاييس الموضوعية التي استقرأها أسلافنا عبر القرون من آلاف القصائد العربية القديمة. وقد حان لنا أن نحارب هذه النزعة الخجول في النقد، خاصة في هذه السنين التي تعرض خلالها الشعر إلى هزة غير هينة بسبب قيام حركة الشعر الحر. وما دام الشعر الحر -في أساسه- دعوة إلى تطوير الشكل، ما دام يتناول الأوزان والتشكيلات والقوافي، فليس في إمكاننا أن ننقده إلا على أساس موضوعي من علم العروض.
على أن دعوتنا إلى العودة إلى علم العروض، ونفض الغبار عنه من أعماق المكتبة العربية، لا ترمي إلى تقييم الشعر الحر، وتقويمه وحسب، وإنما نقصد بها أيضًا إلى أن نجد للشعر الحر أصولًا أرسخ تشده إلى الشعر العربي القديم وتضعه في مكانه من سلم التطور بحيث يقتنع القارئ الموسوس بأن وزن الشعر لم يحطم على أيدينا، ولأننا لا نقل حرصًا عليه من أي شاعر قديم مخلص. وسرعان ما سنكشف أننا نحتاج إلى أن نطور