ولا يخفى على كل ذي سمع شعري مدى التنافر بين هذه التشكيلات، حتى ليضطر المرء إلى أن يطوي قصائد هؤلاء الشعراء ولا يقرؤها مهملًا ما قد يكون فيها من معانٍ مبتكرة وصور جميلة وأفكار موحية.
ولنقدم نموذجًا من هذا الخلط لجورج غانم من البحر الكامل:
لكنهم متيقنون بأنهم صرعى حميَّا
"متفاعلاتن":
وعزاؤهم أن الحياة تقوم للأبطال هيَّا
"متفاعلاتن":
منا الصدى مني
"فعلن":
من مقلتي وفمي
"فعلن":
فأحسه نارًا ووعدًا وارتقابًا للغد
"متفاعلن":
هذه خمسة أشطر متجاورة من القصيدة قد أوردت في "ضربها" أربعًا من تشكيلات البحر الكامل. والأذن العربية لا تقبل في القصيدة الواحدة إلا تشكيلة واحدة، وعلى ذلك جرت آلاف القصائد منذ أقدم العصور حتى الآن. والواقع أن الشعراء -حتى في عصر الانحطاط- لم يقعوا في مثل هذا، فمع أن شعرهم كان سمجًا سقيم المعاني ركيك اللغة إلا أن موسيقى الشعر العربي كانت ترن في كيانهم فلا يستطيعون أن يخرجوا عنها.
ومهما يكن فلا بد للشاعر أن يستوعب في ذهنه فكرة استقلال البحر عن التشكيلة، وأن يفهم أن لكل بحر من بحور الشعر تشكيلات مختلفة لا يمكن أن تتجاور في قصية واحدة. وإنما ينبغي أن تستقل كل قصيدة بتشكيلة ما، وأن تمضي على ذلك لا تحيد عنه إلى آخر شطر فيها.
علينا أن نتذكر كذلك أن الشعر الحر ليس خروجًا على قوانين الأذن