ولقد كان القانون العروضي الذي خضع له الشاعر العربي دائمًا أنه ليس يمكن أن تجتمع تشكيلتان في قصيدة واحدة، وإنما تقتصر كل قصيدة على تشكيلة واحدة يختارها الشاعر منذ مطلع القصيدة ويلازمها في كل بيت. وذلك ظاهر في قصيدة المتنبي والحارث اللتين اخترنا نماذج منهما وهو ظاهر في الشعر العربي كله، سواء منه ما نظم قبل العروض أو بعده. وإنما الحكم في ذلك إلى الأذن العربية التي تنفر بطبعها من أن ترد تشكيلتان في القصيدة الواحدة. والواقع أن الخليل بن أحمد إنما أطلق اسم الكامل على التشكيلات السابقة وغيرها جميعًا على سبيل تصنيف هذه الأشكال تحت صنف أساسي، لا على سبيل إقرار اجتماعها في قصيدة واحدة. والأمر كذلك في البحور الأخرى ذات التشكيلات المختلفة التي عزلها الشاعر العربي في شعره فلم يخلط بينها قط.
شعراؤها المعاصرون والتشكيلات:
هذه المبادئ الأولية التي حافظ عليها الشاعر العربي في العصور كلها قد اضطربت وكادت تَمَّحي في أيد الناشئين الذين تناولوا حركة الشعر الحر وأقبلوا على الاندفاع معها. ذلك أنهم خلطوا التشكيلات المتنافرة وأوردوها جميعًا في القصيدة الواحدة. فكان الشاعر يجمع في قصيدته المرقعة تشكيلات البحر كلها بلا مبالاة، فإذا قصيدة البحر الكامل تستحيل إلى خليط مما يلي جميعًا: