بدلًا من واحدة، وكل شطر منها فوق ذلك طويلًا وآخر أقصر وثالث أطول اجتمع على القصيدة تعقيدان: تعقيد وجود تشكيلتين تستوعبان اهتمام الذهن، وتعقيد الأطوال المختلفة. ويؤدي ذلك إلى أن يفقد السمع إحساسه بالموسيقى ويتيه بين تنوع الطول وتنوع التشكيلة. وأما نظام الشطر الواحد ذي التشكيلة الواحدة الثابتة، مثل الأرجوزة، فإنه يساعد السمع على تذوق الموسيقى، خاصة وأن القافية الموحدة، برنينها وعلو نبرتها، لم تعد موجودة في الشعر الحر إلا في النادر النادر.
ولا بد لنا أن نلاحظ أن اختلاف أحد الشطرين عن الآخر في أسلوب الشطرين هو الذي جعل وحدة الوزن البيت لا الشطر، وهو الذي جعل العروضيين يقسمون البيت أقسامًا يطلقون عليها أسماء كما يلي:
الصدر اسم الشطر الأول.
العجز اسم الشطر الثاني.
العروض اسم التفعيلة الأخيرة من الصدر.
الضرب اسم التفعيلة الأخيرة من العجز.
الحشو كل ما عدا العروض والضرب في البيت.
وكانت هذه الأسماء ضرورية، يستعين بها العروضيون على تصنيف الأعاريض والضروب التي وردت في كل بحر من بحور الشعر العربي. فقالوا مثلًا العروض الصحيحة والضرب المقطوع، والعروض المجزوءة والضرب المذيل ونحو ذلك، وذلك هو ما سميته "التشكيلة" في الفصول السابقة. وكان الشاعر العربي يهتدي بسليقته الشعرية إلى العروض والضرب الملائمين في كل قصيدة يقولها، وكان يطيع ذلك النموذج عبر القصيدة كلها فلا ترد فيها أكثر من تشكيلتين اثنتين إحداهما للصدور والأخرى للأعجاز "ما عدا البيت المصرع فإن صدره وعجزه يستويان".
وأما حين كان الشاعر ينظم شعرًا ذا شطر واحد كالأرجوزة، فإنه