للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان يجعل القصيدة ذات تشكيلة واحدة تتكرر في كل شطر فلا يخرج عليها قط. ولم ترد التشكيلتان مجتمعتين قط إلا في القصيدة ذات الشطرين. وهذا منطقي بالمعنى العروضي، فضلًا عن أن الأذن العربية ترتاح إليه.

ذلك هو السبب الذي يجعل الشعر الحر لا يقبل أن ترد فيه تشكيلتان. فإنما التشكيلتان مزية يمنحها الشاعر إذا هو نظم قصيدة ذات شطرين اثنين يحافظ فيهما على التناسق، وعلى تساوي التفعيلات في كل شطر، وعلى تقابل كل صدر مع الصدور السابقة واللاحقة في نظام وتسلسل مضبوطين، وأما الحرية التي يعطيها الشعر الحر للشاعر فإن في مقابلها تقييدًا في التشكيلة فيقتصر الشاعر في قصيدته على تشكيلة واحدة لا يتخطاها. وإنما يفرض هذا التقييد لأسباب جمالية وذوقية؛ لأن الموسيقى التي هي قوام كل شعر، تضعف بوجود التفاوت في طول الأشطر، بحيث ينبغي للشاعر أن يسندها ويقويها بالمحافظة على وحدة التشكيلة، وبذلك يستطيع الشطر الحر أن يرن ويبعث في وعي السامع لحنًا ويخلق له جوًّا شعريًّا جميلًا.

على أن الشعراء الجدد لم يتقيدوا بهذا بل خرجوا عليه. ولم يكن ذلك منهم عن سبق إصرار -فيما أعتقد- وإنما كان أساسه قلة المران وضآلة المعرفة بالشعر العربي وعروضه. ذلك أن طائفة من هؤلاء الشعراء لا تنقصهم الموهبة ولا الأصالة وقد عرفنا لهم شعرًا مقبولًا بأسلوب الشطرين. وكان الخطأ البارز، في شعرهم الحر أنهم خلطوا في القصيدة الواحدة بين تشكيلات البحر كلها على تنافرها. على أن بعضهم كان يقع في غلط أبسط من هذا فيورد في القصيدة الحرة التشكيلتين اللتين تردان عروضيًّا في أسلوب الشطرين. وهذا نموذج من شعر خليل حاوي من بحر الرجز.

مستفعلن مستفعلن مستفعلن

داري التي أبحرتِ غربتِ معي

"مستفعلن":

وكنتِ خير دار

"فعول":

<<  <   >  >>