للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

السلطان كلما طلبوا. وقد قاتل الجيش الموصلي بكل بطولة وحماسة في حرب أرسوف الأخيرة وكان السلطان واثقاً بأنه سيأتيه المدد من جيوش مصر والعراق وكذلك من جيش الشام الشمالي والمركزي. وكان التركمان والعرب والمصريون مسلمين وخدمة أوفياء للسلطان وحضروا كالعبيد كلما طلبهم السلطان وقد مزج السلطان هذه العناصر المختلفة مزجاً غريباً وألف بينهم رغم ما فيها من اختلاف في الجنس والقومية وما بين أفرادها من خلافات داخلية ومنافسات قبلية فكانوا كالجسد الواحد. وقد عانى السلطان بعض الصعوبة في توحيد هذه الأجناس، وقد ظهرت في بعض المناسبات بوادر الخلاف فقد تمرد الجيش في يافا مرة، ولكن رغم ذلك كله بقيت هذه الأمم المختلفة الأجناس إلى خريف سنة ١١٩٢ م خاضعة لأمر السلطان وظلت تجاهد في سبيل الله من سنة ١١٨٧ م العام الذي طلبها فيه صلاح الدين للجهاد، وفي خلال هذه المدة الطويلة لم يسجل التاريخ حادثة عصت فيها مقاطعة أو ثارت فيها دولة تابعة أو رئيس من الرؤساء، وكانت الآمال الكبيرة التي عقدت بنصيحتهم ومثابرتهم تعي الراسخين في الوفاء والجن الأقوياء، إنما علمنا قريباً من أقربائه في العراق ثار عليه، ولكن السلطان منَّ عليه بالعفو، وهدأ الرجل، وبذلك يعلم ما كان للسلطان من نفوذ غريب في دولته ورعيته، وانتهت الحرب التي استمرت خمسة أعوام وانتهت محنها ومتاعبها والسلطان هو الملك الوحيد من جبال الكرد إلى صحراء النوبة، وكان ملك بلاد الكرد ملك آرمينيا وسلطان قونية وقيصر قسطنطينية وراء هذه الحدود يحرصون على صداقة صلاح الدين ومساعدته، وما قبل صلاح الدين أن يكون عليه منة لأحد من هؤلاء، ولم يحضروا قط لنجدته إنما حضروا لتهنئته.

وكان صلاح الدين بطل هذه المعركة ومركز هذه الدائرة، وكان أخوه العادل هو الشخصية الثانية التي ظهرت على مسرح القتال، ولا نعرف أحداً من القواد والأمراء استولى عليه، وكان عنده مجلس حربي يستشيره في أمور الحرب، وقد وقع نادراً أن غلب رأي هذا المجلس الخاطئ على رأي السلطان الصحيح، كما كان أمام صور وعكة، ولكن لم يكن أحد من أعضاء هذا المجلس مستأثراً به دون غيره، لقد كان الإخوة والأبناء، وأبناء الإخوان، والزملاء القدماء، والولاة الجدد، والعقلاء، والقضاة الأذكياء، والمعتمدون الأوفياء،

والمتعصبون، والوعاظ، والعلماء كلهم متفقين على الجهاد، وقاتلوا تحت لوائه جنباً بجنب، وخدموه بكل ما

<<  <   >  >>