إذا عرفت عصور التاريخ بما يميزها عن غيرها، وأضيفت إليه، أمكننا أن نسمي هذا العصر عصر الاكتشاف والاختراع، وعصر اللاسلكي والكهرباء؛ وفضل الأوربيين وتقدمهم في هذا الباب وعبقرية رجال الاكتشاف والاختراع وإبداعهم من القضايا التي لا تقبل المكابرة.
ولكن مهما بالغ المبالغون في إطراء الصناعات والمخترعات الحديثة في أوربا، وبرغم إعجابنا بها والثناء على مكتشفيها ومخترعيها، ينبغي ألا ننسى أن هذه الصناعات والمخترعات ليست غايات في نفسها مقصودة بالذات، بل هي وسائط ووسائل لغاية أخرى نحكم عليها بالخير والشر، والنفع والضر، بمقياس هذه الغاية وكونها خيراً أو شراً، ونحكم عليها بالنجاح والخيبة بالقياس إلى مطابقتها للغاية التي وضعت لها، والنظر في النتائج التي حصلت منها، والدور الذي لعبته في حياة الناس ومجتمعهم وأخلاقهم وسياستهم.
الغاية من الصناعات والمخترعات، وموقف الإسلام منها:
أما الغاية فعلى ما أرى هي التغلب على العقبات والصعوبات في سير الحياة التي سببها الجهل والضعف، والانتفاع بقوى الطبيعة المودعة في هذا الكون وخيراتها وخزائنها المبثوثة فيها، واستخدامها لمقاصد صحيحة من غير علو في الأرض ولا فساد.
كان الإنسان يسافر في الزمن القديم ماشياً، ثم ألهم أن يسخر لذلك الحيوان، فاتخذ العجلات واتخذ الجياد العتاق، ثم لم يزل يتدرج في السرعة والاختراع حتى وصل من المركبة إلى القطار، ومنه إلى السيارة، ومنها إلى الطيارة، وكذلك من السفينة الشراعية إلى البواخر، فلا بأس، بل يا حبذا إذا كان ذلك كله تابعاً لمقاصد صحيحة يسافر الإنسان بها من مكان
إلى مكان لغرض صحيح جدي مثمر، ويحمل عليها أثقاله إلى بلد لم يكن بالغه إلا بشق النفس؛ ويوفر الوقت والقوة